عبدالرحيم عبدالباري
“بدء برنامج التعليم الطبي بالفرنسيه بقصر العيني لمدة خمس سنوات”
في خطوة نوعية تعكس الطموح الأكاديمي والتطلع لمواكبة التطور العالمي في التعليم الطبي، أعلنت كلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة عن بدء الدراسة ببرنامج التعليم الطبي باللغة الفرنسية “Kasr Al Ainy French – KAF” اعتبارًا من العام الدراسي 2025–2026، تأتي هذه المبادرة تحت رعاية د. أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وبدعم من د. محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعة القاهرة، وإشراف د. حسام صلاح عميد كلية الطب، يمثل هذا البرنامج الجديد علامة مضيئة في تاريخ قصر العيني، ويؤكد ريادته العلمية إقليميًا ودوليًا.
يمثل إطلاق برنامج التعليم الطبي الفرنسي في قصر العيني نقلة نوعية في مسار التعليم الطبي بمصر، ويعزز من مكانة الكلية كأحد أعرق المؤسسات الطبية في العالم العربي وأفريقيا، فالبرنامج لا يقتصر على كونه مبادرة تعليمية جديدة، بل يعد مشروعًا استراتيجيًا يستهدف دعم التواصل الأكاديمي مع الدول الناطقة بالفرنسية، وتوسيع قاعدة الطلاب الأجانب، خاصة من دول أفريقيا وحوض النيل، مما يجعل قصر العيني جسرًا حضاريًا وإنسانيًا بين مصر والعالم الفرنكوفوني.
أكد الدكتور محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعة القاهرة أن البرنامج الفرنسي يعبر عن التزام الجامعة بتطوير التعليم الطبي بما يتماشى مع المعايير العالمية، وأوضح أن البرنامج يسعى لترسيخ مكانة قصر العيني كمركز إشعاع علمي وإنساني، يخدم القارة الإفريقية والدول الناطقة بالفرنسية. وأشار إلى أن الإعداد للبرنامج بدأ منذ عام 2023، ضمن رؤية استراتيجية طموحة لتعزيز حضور جامعة القاهرة في الساحة الأكاديمية العالمية، وفتح مجالات جديدة للطلاب الراغبين في دراسة الطب باللغة الفرنسية.
لم يكن قرار إطلاق برنامج التعليم الطبي باللغة الفرنسية وليد اللحظة، بل جاء بعد دراسة شاملة وتحليل علمي دقيق باستخدام أسلوب تحليل SWOT، الذي كشف عن امتلاك الكلية قاعدة بشرية قوية من أعضاء هيئة التدريس المتقنين للفرنسية، وتم تعزيز هذه القاعدة من خلال برامج تدريبية مكثفة بالتعاون مع كلية الآداب، ليصل عدد الكوادر المؤهلة إلى نحو 150 عضو هيئة تدريس وهيئة معاونة، مستعدين لتقديم تعليم طبي عالي الجودة باللغة الفرنسية ابتداءً من العام الدراسي المقبل.
من جانب آخر، حرصت كلية الطب على إعداد المناهج الدراسية الخاصة بالبرنامج الفرنسي بعناية فائقة. وقد شملت عملية التحضير ترجمة كاملة لمناهج السنة الأولى والثانية إلى اللغة الفرنسية، مع مراجعة دقيقة من لجان أكاديمية متخصصة لضمان جودة المحتوى، وتعمل الكلية حاليًا على استكمال ترجمة مناهج الفرقة الثالثة، تمهيدًا للإطلاق الكامل للبرنامج، هذا الجهد يؤكد التزام الكلية بتقديم تجربة تعليمية متكاملة تضاهي أفضل النظم الطبية العالمية.
أوضح الدكتور حسام صلاح، عميد كلية طب قصر العيني، أن البرنامج يعتمد على نظام التعليم الطبي القائم على الجدارات (CBME)، وفقًا للمعايير القومية المرجعية (NARS 2017). ويهدف هذا النظام إلى إعداد خريجين يمتلكون المهارات والجدارات المطلوبة لسوق العمل، عبر دمج التعلم النظري والعملي، وتوثيق التعلم الذاتي من خلال ملفات إنجاز ورقية أو إلكترونية، ويضمن البرنامج توازنًا بين التقييم التكويني المستمر والتقييم النهائي التراكمي، بما يعزز من قدرات الطلاب الأكاديمية والمهنية.
في أكتوبر 2023، اتخذت كلية الطب خطوة مهمة بتشكيل لجنة متخصصة لإدارة البرنامج الفرنسي، برئاسة الدكتورة نادين علاء شريف. وقد تولت اللجنة الإشراف على كافة الجوانب الأكاديمية والتنظيمية للبرنامج، مع متابعة دقيقة لمراحل الترجمة وإعداد اللوائح الأكاديمية، وشملت هذه الجهود وضع اللائحة الأكاديمية للبرنامج واعتمادها من المجالس المختصة، ما يضمن الانطلاق السلس والمنظم للبرنامج مع بداية العام الدراسي 2025–2026، وفق أعلى معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي.
يمثل البرنامج الجديد فرصة ذهبية للطلاب الراغبين في الدراسة باللغة الفرنسية، سواء من داخل مصر أو من الخارج. إذ يوفر لهم تجربة تعليمية متميزة تؤهلهم لممارسة الطب بمستوى عالمي، مع إمكانية العمل في العديد من الدول الناطقة بالفرنسية، ومن المتوقع أن يستقطب البرنامج عددًا كبيرًا من الطلاب الأجانب، مما يسهم في دعم جهود الدولة لتعزيز دور التعليم كأداة للقوة الناعمة المصرية في أفريقيا والعالم العربي، ويساهم في زيادة موارد الجامعة الذاتية.
يعكس برنامج التعليم الطبي باللغة الفرنسية في قصر العيني رؤية مستقبلية تسعى إلى ربط مخرجات التعليم بسوق العمل الدولي، فمن خلال التركيز على الكفاءة اللغوية والطبية معًا، يتم إعداد طبيب عالمي قادر على التواصل بفعالية مع مختلف الثقافات، ومع اعتماد البرنامج على منهجيات التعليم الحديث، يصبح الخريجون أكثر قدرة على التفاعل مع التطورات الطبية المستمرة، ويكونون مؤهلين لمتابعة الدراسات العليا أو ممارسة المهنة في المؤسسات الصحية العالمية، مما يعزز من سمعة قصر العيني في المحافل الدولية.
في ضوء هذه الجهود الطموحة، يخطو قصر العيني خطوة جديدة نحو العالمية، مؤكداً قدرته على التجدد والابتكار ومواكبة متطلبات العصر، وبرنامج التعليم الطبي باللغة الفرنسية ليس مجرد إضافة جديدة، بل هو رسالة علمية وإنسانية تتجاوز الحدود، تنقل خبرة قصر العيني الممتدة عبر القرون إلى أفاق أرحب من التأثير العلمي والإنساني، ومن المؤكد أن هذه المبادرة ستفتح آفاقًا واسعة أمام الطلاب والخريجين، وتكرس ريادة مصر في مجالات الطب والتعليم في المنطقة والعالم.