بعد انتشارها.. حملة الدفاع عن الحضارة المصرية ترفض إقامة الحفلات بجوار الأثر

انتشرت في الفترة الأخيرة العديد من حفلات الزفاف التي تُقام بما يُعرف بفناء “الحب سد” أمام الهرم المدرج بمنطقة سقارة  الأثرية، وهو المكان الذي كان يُتوَّج فيه الملك للاحتفال بالعيد الثلاثيني لجلوسه على العرش، بالإضافة إلى الحفلات التي تُقام في منطقة الأهرامات.وقد أعلنت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، برئاسة الدكتور عبدالرحيم ريحان، رفضها لهذه الاحتفالات، واعتبرتها تدنيسًا لحرمة الأثر، الذي كانت وظيفته مقدسة، سواء كان هرمًا كمقبرة للدفن، أو معبدًا، أو مسجدًا في العصر الإسلامي، مثل مسجد محمد علي، علاوة على ذلك، أكدت الحملة على القيمة الأخلاقية والمعنوية للتعامل مع الأثر كتراث ثقافي له من القدسية والاحترام، سواء كان الموقع تاريخيًا أثريًا، أو مسجدًا أثريًا شُيِّد خصيصًا للعبادة، وليس لإقامة حفلات اللهو وما يصاحبها من تجاوزات أخلاقية.وأضاف الدكتور ريحان في تصريحات لـ الدستور، أن هذه الحفلات، وما يصاحبها من ضوضاء وأضواء، تُعد ضارة بالأثر، فقد أثبتت الدراسات الفيزيائية الحديثة أن الأصوات التي تتجاوز 85 ديسيبل تُحدث اهتزازات دقيقة تؤثر على تركيب الأحجار، ما يؤدي إلى تآكل غير مرئي قد يتفاقم مع الزمن، كما أن بعض المعدات الصوتية تُنتج ذبذبات بترددات منخفضة (Low-frequency vibrations) تتراوح بين 30 و60 هرتز، وهي أخطر أنواع الترددات التي قد تُحدث خلخلة في البناء الحجري القديم.وأشار إلى أن أجهزة الليزر ذات قدرة تفوق 5 واط قادرة على التأثير حراريًا على الأسطح الحجرية، خصوصًا تلك التي تحتوي على معادن، وأن الإضاءة القوية تُسهم في تلاشي الألوان الأصلية للنقوش. كما أن بعض أنواع الإضاءة تنتج أشعة فوق بنفسجية تؤثر على المكونات الكيميائية للأحجار.وأكد أن الترددات الصوتية تؤثر على المسطحات الحجرية، وتتسبب في فقدان تماسك وثبات الأسطح الحاملة للنقوش والكتابات أو الطبقات اللونية، وأن المبالغة في استخدام مكبرات الصوت تُحدث تأثيرات ميكانيكية ضارة جدًا على تلك الأسطح الحجرية.وأضاف أن الضوء، بدرجاته اللونية واختلاف أطواله الموجية (من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة فوق البنفسجية)، يؤثر على ثبات الدرجات اللونية على المسطحات الأثرية، حيث تؤدي الطاقة المنبعثة من مصادر الضوء إلى تلف الألوان مع مرور الزمن.وأشار “ريحان” إلى أن الصوت والضوء لهما تأثيرات سيئة ومُتلفة على المسطحات الأثرية، خصوصًا في الأماكن المغلقة أو حتى في الفضاء المفتوح مع ارتفاع شدة الإضاءة والصوت الناتج عن استخدام المكبرات والمضخمات.ويطالب الدكتور ريحان بإعادة النظر في مفهوم توظيف المواقع الأثرية، باعتبارها سلعة ثقافية وليست سياحية فقط، بالتالي فإن إعادة توظيفها يجب أن يكون في إطار أنشطة ثقافية، مثل الملتقيات العلمية، ونوادي الأدب والقصة، والمعارض الفنية، والمسارح لعرض الفنون التراثية والشعبية وكل منتج ثقافي، وذلك طبقًا لما حددته اليونسكو في تصنيف مجالات الصناعات الثقافية والإبداعية الرئيسية، والتي تشمل: التراث الثقافي والطبيعي، الكتب والصحافة، المجالات الثقافية الرئيسية، الأداء والاحتفال، الوسائط البصرية والسمعية والتفاعلية، التصميم والخدمات الإبداعية، السياحة، الرياضة، والترفيه.وتُعد الصناعات الثقافية والإبداعية اليوم واحدة من أكثر القطاعات حيوية في الاقتصاد العالمي. ووفقًا لأحدث تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تحقق هذه الصناعات دخلًا سنويًا عالميًا قدره 2.3 تريليون دولار، وهو ما يمثل 3.1% من الناتج الإجمالي العالمي، كما تشير تقديرات اليونسكو إلى أن هذه الصناعات تمثل نحو 6.2% من العمالة العالمية.بالتالي، فإن حسن استثمار الآثار كصناعة ثقافية إبداعية يُحقق دخلًا كبيرًا، كما يحدث في معظم دول العالم. كما يتطلب هذا المفهوم أن يكون المجلس الأعلى للآثار هيئة حكومية ذات شخصية مستقلة تتبع رئيس مجلس الوزراء، مثل قناة السويس، أو تابعًا لوزارة الثقافة، كما كان الحال أيام وزارة الفنان فاروق حسني.

close