تاريخ العالم في سبعة أشياء رخيصة

هل تساءلت يومًا كيف تشكلت أزمات عالمنا البيئية والاجتماعية من خلال استغلال “أشياء رخيصة”؟ كتاب “تاريخ العالم في سبعة أشياء رخيصة” يكشف لك الخيوط الخفية التي صنعت عالمنا الحديث عبر عدسة نقدية جريئة للرأسمالية.إذا كنت تبحث عن قراءة عميقة تكشف آليات الاستغلال الممنهج للطبيعة والبشر، وتقدم رؤية بديلة لمستقبل أكثر عدلًا واستدامة، فإن هذا الكتاب يقدم لك الإلهام والمعرفة لتغيير طريقة فهمك للعالم ومكانك فيه.يؤرخ الأكاديمي والصحفي البريطاني راج باتل، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة “بينغهامتون” في نيويورك، والباحث المتخصص في التاريخ البيئي الأمريكي جيسون مور، للاكتشافات والتطورات التي صنعت العالم الحديث، عبر تحليل سبعة أشياء “رخيصة” بحسب وصفهما، وهي: الطبيعة، والمال، والعمل، والرعاية، والغذاء، والطاقة، وحياة الناس أنفسهم.كيف أصبحت الطبيعة، والعمل، والغذاء، والطاقة، والرعاية، والحياة، وحتى المال ذاته، مواد أولية في مشروع استغلالي واسع النطاق؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يستقصيه المؤلفان في هذا العمل المتميز.

الإطار النظري: مفهوم “الإيكولوجيا الرأسمالية”

يبتعد الكتاب عن قراءة الرأسمالية كمنظومة اقتصادية فحسب، مقترحًا فهمها كنظام إيكولوجي واسع، أي شبكة معقدة من العلاقات بين البشر والطبيعة والسلطة ورأس المال. أطلق المؤلفان على هذه الرؤية بـ”الإيكولوجيا الرأسمالية” (World-Ecology)، حيث الرأسمالية لا تقوم فقط على استغلال العمالة والموارد، بل على إعادة تشكيل العوالم الطبيعية والاجتماعية بما يخدم أغراض الربح والتوسع.هذه الرؤية تمثل خروجًا مهمًا عن القراءات التقليدية، وتضع أساسًا لفهم جذور الأزمات البيئية والاجتماعية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من بنية النظام الرأسمالي ذاته.

قراءة متعمقة للأشياء السبعة الرخيصة

أثار هذا الكتاب عند صدوره جدلًا في الأوساط الأكاديمية والثقافية، كما ورد في كلمة الغلاف الخلفي لنسخته العربية المترجمة حديثًا؛ فقد تناول فكرة الرأسمالية من زوايا مختلفة عن المعالجات التقليدية التي تناولتها من منظور متحيز ضيق، وذلك بربطها بالطبيعة التي استُغلت على نحو “خاطئ ومتوحش” مهّد المجال لاستغلال البشر، وهو استغلال جعل من العالم “عالمًا رخيصًا”.وقد خصص المؤلفان سبعة فصول تُشكِّل متن الكتاب، بخلاف المقدمة والخاتمة، لمناقشة “الأشياء الرخيصة” السبعة التي فسَّرا ما شهده العالم من حراك، مهما كان نوعه، تأسيسًا عليها. وقد حرصا في بداية عملهما على تعريف ما عنياه بمفهوم “رخيص” في سياق طرحهما النظري.الطبيعة الرخيصة : يبدأ المؤلفان بتفكيك الأسطورة القائلة بأن الطبيعة “خارجية” عن النظام الاقتصادي.منذ استعمار ماديرا في القرن الخامس عشر، جُعلت الطبيعة سلعة قابلة للاستغلال، وأُعيد تعريف علاقتنا بها من علاقة عضوية إلى علاقة استهلاكية. الرأسمالية، كما يؤكد الكتاب، كانت بحاجة إلى “طبيعة رخيصة” لتتمدد، لكنها كانت، في الوقت ذاته، تدمر القاعدة الطبيعية التي تقوم عليها.المال الرخيص: يلفت الكتاب النظر إلى كيف أن الرأسمالية لم تكن ممكنة بدون “مال رخيص”، بدءًا من تمويل الحملات الاستعمارية وحتى تأسيس أسواق المال الحديثة. مثال مناجم بوتوسي في بوليفيا، حيث سُحق العمل الإنساني والطبيعة معًا لاستخراج الفضة التي غذت تجارة الإمبراطوريات الأوروبية، يكشف آليات تواطؤ رأس المال مع العنف الاستعماري.العمل الرخيص: في قلب المشروع الرأسمالي، كان لا بد من وجود “عمل رخيص” يُنتزع بالقوة أو بالحيلة. يستعرض المؤلفان كيف أن العبودية، والخدمة القسرية، والعمل المأجور المنخفض، كانت أعمدة البناء الحقيقي للرأسمالية، مع تسخير الزمن الصناعي والانضباط الاجتماعي لزيادة الإنتاجية.الرعاية الرخيصة: لم يكن الاستغلال قاصرًا على العمل المنتج، بل شمل أيضًا عمل الرعاية غير المأجور، الذي قامت به النساء أساسًا. عبر سياسات اجتماعية وقانونية، جُعلت الرعاية مسؤولية “خاصة”، خارج سوق العمل، ما سمح للنظام الرأسمالي بالاستفادة من إعادة إنتاج القوة العاملة دون دفع تكاليفها الحقيقية.الغذاء الرخيص: كان شرطًا أساسيًا لإبقاء العمال منتجين، ولمنع الاضطرابات الاجتماعية. من الثورة الزراعية إلى الزراعة الصناعية الحديثة، استخدمت الرأسمالية أدوات عنيفة لتأمين الإمدادات الغذائية بأقل التكاليف، بغض النظر عن الآثار الصحية أو البيئية.الطاقة الرخيصة : تتبع المؤلفان رحلة الرأسمالية عبر مصادر الطاقة، من الخشب مرورًا بالفحم وصولًا إلى النفط. يُظهران كيف أن كل طفرة رأسمالية اقترنت باستغلال كثيف لمصدر طاقة رخيص، مع إغفال تام لتداعيات هذا الاستغلال على الكوكب، مما قاد إلى أزمة المناخ الراهنة.الحياة الرخيصة : أخيرًا، يحلل الكتاب كيف عملت الرأسمالية على “ترخيص” حيوات بشرية كاملة، من خلال الاستعمار، والعنصرية، والتمييز الطبقي والجنسي. كل حياة لم تكن مربحة بما يكفي كانت تُعتبر قابلة للإهدار أو الإقصاء.

قطيعة معرفية وسلوكية

يدعو المؤلفان إلى قطيعة معرفية وسلوكية مع المنطق الرأسمالي:الاعتراف بجرائم الرأسمالية تجاه البشر والطبيعة.دفع تعويضات بيئية ومجتمعية (Reparation Ecology).تبني نماذج اقتصادية قائمة على العدالة البيئية والتشاركية بدلًا من الاستغلال.إن تجاوز الأزمة البيئية والاجتماعية لا يكمن في تعديل الرأسمالية، بل في بناء عالم آخر، تكون فيه الحياة والطبيعة في مركز الاعتبار لا هوامش الربحية.

الخاتمة

يقدم “تاريخ العالم في سبعة أشياء رخيصة” تشريحًا معمقًا لكيفية تشكل العالم الحديث بأدوات الاستغلال الرأسمالي. إنها دعوة ملحة إلى التفكير النقدي الجذري، وإلى إعادة بناء علاقتنا مع الكوكب على أسس من العدالة البيئية والاجتماعية.

معلومات الكتاب

العنوان: تاريخ العالم في سبعة أشياء رخيصة: دليل إلى الرأسمالية والطبيعة ومستقبل الكوكبتأليف: راج باتل وجيسون مورترجمة: وفاء م. يوسفالناشر: دار صفحة سبعة للنشر والتوزيع – 2024م تنزيل PDFهل انتفعت بهذا المحتوى؟ لا نعم

close