شفقنا – تتزايد حالات تسرّب التلاميذ من المدارس في سورية على نحوٍ كبير، لا سيّما في المحافظات الشرقية من البلاد (الحسكة، الرقة، دير الزور)، ما يشكل خطراً على مستقبل أجيال من التلاميذ وبنية المجتمع السوري. ويوضح مدير التعليم في وزارة التربية والتعليم السورية محمد السيد قدور، أنّ الإحصائيات الأولية تشير إلى وجود أكثر من مليونَي طفل سوري خارج دائرة التعليم حتى الصف التاسع الإعدادي، مشيراً إلى أنّ مشكلة التسرّب تكمن في وجود أعداد كبيرة من التلاميذ غير المسجّلين في دائرة النفوس، وبالتالي يصعب الوصول إليهم، بالإضافة إلى كثرة التنقل والنزوح والهجرة داخل سورية وخارجها.
ويلفت قدور إلى أسباب اجتماعية لترك التعليم، منها فقدان أحد الوالدين أو كليهما. من جهة أخرى، يسكن أطفال في مناطق بعيدة عن المدارس، ما يحول دون قدرتهم على الوصول إليها. ويبيّن أن أرقام التسرّب مخيفة جداً وتزداد سنوياً، لكنها لا تزال غير دقيقة. لذلك، سيكون هناك تعاون بين الوزارة ودائرة النفوس في بداية العام المقبل، لجمع أرقام أدق حول الموجودين في المدارس وخارجها. ويوضح قدور أن التسرّب المدرسي يزيد من التعليم غير الرسمي وغير المنضبط، وربما يزيد من احتمال التطرّف الديني. لذلك، فإن محاولات التقليل من التسرّب أمر مهم وضروري للمجتمع السوري بكل أطيافه ومكوناته، ويتحدث عن وجود أكثر من ثمانية آلاف مدرسة مدمّرة جزئياً أو كلياً في عموم البلاد، ما ساهم في التسرّب المرسي، بالإضافة إلى وجود نقص في المساحة التعليمية.
ويتحدث عن وجود أعداد كبيرة من التلاميذ في المدرسة الواحدة، وخصوصاً تلك القريبة من المخيّمات في سرمدا في محافظة إدلب على سبيل المثال. وفي ظل الاكتظاظ، يشير إلى ضرورة وجود مساحة للطالب في الصف لا تقلّ عن متر مربع، ومتر ونصف المتر في باحة المدرسة. ولا ينسى التطرق إلى أزمة التجهيزات غير الكافية، ويقول: “أحياناً، نجد ألف طالب على منهل ماء واحد”، يضيف: “تتوفر في بعض المدارس شروط التعليم لكنها لا تتناسب مع الأعداد الموجودة، إذ يصل عدد التلاميذ في بعض الصفوف إلى ما بين 50 و60. لذلك، نحن بحاجة لبناء عشرة آلاف مدرسة في السنوات المقبلة لتغطية النقص الحاصل.
وطاول التسرّب المدرسي الكثير من المحافظات السورية، لكن الضرر الأكبر يشمل تلاميذ الحسكة وما يحيط بمنطقة الجزيرة السورية، في ظل إغلاق عدد كبير من مدارس الحسكة لأسباب مختلفة، الأمر الذي أثّر سلباً على سير العملية التعليمية هناك، بحسب قدور، ويؤكد أن الوزارة ستعمل على إعادة المدارس فيها بأسرع وقت ممكن، علماً أن وضع المدارس في الساحل جيّد، أما في إدلب، فجرت تغطية النقص من خلال المعلمين المتطوعين.
ويكشف قدور عن خطة وزارة التربية والتعليم لتحسين الوضع التعليمي عن طريق الاستعانة بالمدارس الموجودة حالياً، ففي بعض المناطق، تغلق المدرسة بعد الظهر ونسعى إلى استثمار الوقت في الفترة المسائية. وهناك خطط لإعادة بناء صفوف جديدة للتلاميذ، مشيراً إلى أن زيادة الرواتب وتحسّن الوضع المعيشي سيساهمان في انفراج التعليم، وتحويل جزء من المدارس الخاصة إلى حكومية، ولدينا مشروع لإنشاء منصة إلكترونية يمكن للمغترب أن يساهم من خلالها بالمبلغ الذي يريده من أجل تزويد المدارس بخدمات تحتاجها.
من محافظة الحسكة، يقول المدرّس محمد حسن، إن وضع التعليم سيّئ رغم الجهود التي تبذلها الكوادر التربوية، مشيراً إلى أنه منذ سقوط النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أغلقت المدارس كلياً، علماً أنّ الإدارة الذاتية عقدت اجتماعاً وطلبت حضور مدراء المدارس ووجّهت بفتحها بإشرافهم، وهذا مخالف لتعليمات الدولة السورية. لذلك، لم تُفتح المدارس، وكان طلَبُها أن يكمل التلاميذ دراستهم هذا العام في منهاج الدولة فحسب. أما خلال الأعوام المقبلة، فسيجري تدريس مناهج الإدارة الذاتية، ويتابع: “في ما يخص امتحانات الشهادتَين الإعدادية والثانوية، لم يصدر أي قرار بهذا الخصوص، وهناك قلة من التلاميذ الذين سجلوا في محافظات أخرى، لكنه ليس حلاً مجدياً لأن معظم الأهالي لا يستطيعون الذهاب إلى محافظة أخرى بسبب الظروف الأمنية التي تعيشها سورية حالياً، إضافة إلى بُعد المسافات، وهذه معضلة كبيرة تواجه تلاميذ الحسكة، كما أن المدرّسين في المحافظة لم يستلموا رواتبهم منذ خمسة أشهر وحتى تاريخه”.
من جهته، يقول مدير عمليات برامج سورية في منظمة “إنقاذ الطفولة”، حمزة برهوم، إن أعداد التلاميذ المتسرّبين في سورية، بحسب تقارير المنظمة، تقدر بحوالى 2.5 مليون طفل، مع وجود مليون طفل آخر تحت خطر التسرّب، موضحاً أن أكثر الأماكن التي تعاني خطر التسرب عموماً هي المخيّمات والمناطق صعبة الوصول مثل القرى البعيدة عن مراكز المدن والبلدات.
ويرى برهوم أنه بحسب تقرير الاحتياجات الإنسانية الأساسية، فإنّ نسبة الحاجة في القطاع التعليمي زادت 8% خلال 2024 لتصبح 7.8 ملايين مقارنة بـ 7.2 ملايين خلال 2023، موضحاً أن أبرز تداعيات التسرّب تتجلى في ازدياد نسب الأُميّة، وعمالة الأطفال، وتراجع التنمية الاجتماعية والتأثير السلبي على الاقتصاد السوري.
وللحدِّ من ظاهرة التسرّب، تعمل المنظمة على معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، من خلال دعم ترميم المدارس البسيطة والمتوسطة، وتحسين البنية التحتية لضمان توفر المرافق الخدماتية اللازمة، والعمل مع المنظمات المتخصّصة لضمان خلوّ المدارس من الذخائر المتفجرة كالألغام ومخلفات الحرب، بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي للأساتذة والكادر التدريسي، والتدريبات التقنية للمعلمين والكادر للنهوض بجودة التعليم. ويشدّد على ضرورة نشر التوعية حول أهمية التعليم ضمن المجتمع لمواجهة ظاهرة التسرّب المدرسي، بالإضافة إلى العمل على تنسيق الأنشطة التعليمية لضمان استخدام أمثل للموارد المتاحة، ومنع تكرار الأنشطة ضمن المنطقة الواحدة، ودعم النظام التعليمي للوصول إلى خدمة تعليمية آمنة وذات جودة عالية.
انتهی.