صدر الصورة، AFPالتعليق على الصورة، النقيب أعلن قرار فصل الفنانة سلاف فواخرجي من النقابة، مستنداً إلى “النظام 40، فقرة 58” من النظام الداخلي للنقابة، والذي يُجيز شطب قيد أي عضو “يسيء إلى سمعة الجمهورية العربية السورية أو ينافي الآداب العامة”.Article informationAuthor, جوي سليمRole, بي بي سي نيوزقبل 34 دقيقةتشهد نقابة الفنانين السوريين في الآونة الأخيرة صراعاً محتدماً يعكس عمق الانقسامات السياسية في البلاد. فقد أصدرت النقابة، قبل يومين، بياناً موقّعاً باسم النقيب مازن الناطور، أعلن فيه إلغاء قرار عزله من منصبه، وذلك بعد ساعات قليلة من تسريب قرار العزل إلى وسائل إعلام سورية، وكان موقّعاً من نائب النقيب، الفنان نور مهنا.وقد برّر مهنا قرار العزل باتهام الناطور بـ”الاستئثار والتفرّد في اتخاذ القرار، وتهميش المجلس المركزي، ومخالفة القانون الناظم لعمل النقابة”.وتأتي هذه التطوّرات بعد أسابيع قليلة من تصدّر نقابة الفنانين السوريين عناوين الأخبار، عقب منح النقيب عضوية النقابة “بمرتبة الشرف” لكلٍ من: المغنية السورية أصالة نصري، والمؤلف الموسيقي مالك جندلي، والمغني التراثي أحمد القسيم، والمغني اللبناني فضل شاكر.لكن القرار الأكثر إثارة للجدل جاء قبل نحو ثلاثة أسابيع، حين أعلن الناطور فصل الفنانة سلاف فواخرجي من النقابة، استناداً إلى “النظام 40، الفقرة 58” من النظام الداخلي للنقابة، والذي يُجيز شطب قيد أي عضو “يسيء إلى سمعة الجمهورية العربية السورية أو ينافي الآداب العامة”.وقد أثار القرار موجة واسعة من الجدل، أعادت إلى الواجهة نقاشات قديمة حول العلاقة بين الفن والسياسة، وحدود حرّية التعبير، و”ثقافة الإلغاء” التي تشهد اهتماماً متزايداً حول العالم في السنوات الأخيرة.وفي مقابلة صحفية، قال الناطور إن قرار فصل فواخرجي “جاء في ضوء تصريحاتها التي تمجّد فاعلي الجرائم الأسدية في وقتٍ لا تزال فيه جراح السوريين مفتوحة”، مضيفاً: “الآن، بعد الإعلان الدستوري الجديد الذي يُجرّم من يمجّد الجرائم الأسدية أو ينكرها أو يمجّد فاعليها، خصوصاً أننا لا نزال نعيش مآسي الجرائم الأسدية، ولم يمضِ قرنان على ما فعله الأسد في سوريا، أن يأتي عضو في نقابة الفنانين له تأثير على جمهوره ويطعن بآلام السوريين، ويمجّد ويمنح صفة الشرف للقاتل، فهذا يتنافى حتى مع أبسط القيم الإنسانية والنقابية والوطنية”.وكانت فواخرجي قد وصفت، في مقابلةٍ أجرتها في فبراير/ شباط الماضي، الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بـ”الشريف”، مشيرةً إلى أنها لا تزال ترى فيه هذه الصفة “إلى أن يتبيّن العكس”.وفي تصريحات أخرى لها خلال شهر رمضان الماضي، كرّرت فواخرجي وصف الأسد بـ”الإنسان المحترم”، وقالت إن النظام السوري كان بمثابة “صمام الأمان” للبلاد طوال فترة حكمه.
فنّانون في “قفص الاتهام”
صدر الصورة، Getty Imagesالتعليق على الصورة، واجه الفنان الإسباني بابلو بيكاسو اتهامات بسلوكيات مسيئة تجاه النساء، ودعت بعض التيارات النسوية إلى كسر الهالة المحيطة به وبأعماله.لا يقتصر الجدل الذي أثاره قرار فصل فواخرجي من النقابة على السياق السوري وحده. إذ يعيد إلى الواجهة نقاشاً عالمياً أوسع حول العلاقة المعقّدة بين الفنّ ومواقف صاحبه، ومدى إمكانية أو مشروعية فصل العمل الفنّي عن سلوكيات صاحبه ومواقفه الشخصيّة.وعبر التاريخ، اتخذ العديد من الفنانين البارزين مواقف إشكالية ومثيرة للانقسام، سواء كانت سياسية أو أخلاقية، وتعرّضوا على إثرها لدعوات للمقاطعة أو لإعادة النظر في إرثهم، لا سيما خلال العقود الأخيرة.ولعلّ أشهر مثال على الإطلاق في هذا السياق هو الموسيقي الألماني ريشارد فاغنر.وقد رُوِّج لفاغنر خلال الحقبة النازية على أنه من الملحّنين المفضّلين لدى أدولف هتلر. ومنذ ذلك الحين، ارتبطت صورة فاغنر التاريخية بهذه الصفة، ولا يزال الجدل قائماً حول مدى تأثير أعماله الفنّية وكتاباته، لا سيما مقاله “اليهودية في الموسيقى”، في تشكيل أيديولوجيا ألمانيا النازية.كذلك الأمر بالنسبة للشاعر الأمريكي عزرا باوند الذي أيّد الفاشية وبثّ خطابات معادية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ما أدّى إلى اعتقاله بتهمة الخيانة وإيداعه في مصحّة عقلية، لكنه لا يزال يُدرَّس في أقسام الأدب، وإن ضمن سياقات نقدية صارمة.بدوره، واجه الفنان الإسباني بابلو بيكاسو اتهامات بسلوكيات مسيئة تجاه النساء، ودعت بعض التيارات النسوية إلى كسر الهالة المحيطة به وبأعماله.وفي وقتٍ أقرب، أدّت اتهامات بالاعتداءات الجنسية إلى الإطاحة بالمخرج البولندي رومان بولانسكي وبالممثل كيفن سبايسي من مشاريع فنّية كبرى، فيما لا تزال أعمال الفنان الأمريكي مايكل جاكسون الغنائية موضع انقسام بين من يحتفل بها ومن يدعو إلى مقاطعتها لا سيما بعد عرض الفيلم الوثائقي “ليفينغ نيفرلاند” عام 2019 الذي أعاد إلى الواجهة اتهام جاكسون بالاعتداء الجنسي على أطفال.كذلك، تسببت آراء الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ والتي اعتُبرت معادية للعابرين والعابرات جنسياً، في انقسام جمهور سلسلة هاري بوتر، إحدى مؤلفاتها، بين من يرى فيها خطاب كراهية ومن يدافع عن حقها في التعبير.
“إلغاء” الفنانين: بين المحاسبة والرقابة
صدر الصورة، Getty Imagesالتعليق على الصورة، تسببت آراء الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ والتي اعتُبرت معادية للعابرين والعابرات جنسياً، في انقسام جمهور سلسلة هاري بوتريستند أنصار إلغاء الفنانين بشكلٍ أساسي إلى فكرة أن الشهرة تمنح أصحابها سلطة رمزية وتأثيراً واسعاً على الرأي العام، وبالتالي لا يمكن التعامل مع آرائهم أو سلوكياتهم على أنها “شخصية” أو “معزولة عن الفن”.بالنسبة إليهم، استمرار دعم الفنانين الذين يروّجون لخطابات عنيفة – سواء كانت عنصرية أو تبريرية للجرائم أو معادية للنساء أو العابرين جنسياً – يعدّ تطبيعاً مع هذا الخطاب، بل ومشاركة غير مباشرة في الأذى.كما يرون أن استهلاك أعمال هؤلاء الفنانين يدعمهم مادياً وثقافياً، ويرسل رسالة صامتة مفادها أن الإبداع يمنح صاحبه أو صاحبته إعفاءً من المساءلة. من هنا، يُطرح الإلغاء كنوع من التضامن مع الضحايا، وكتحرك مجتمعي يفرض نوعاً من العدالة الرمزية.في المقابل، يحذّر المدافعون عن فصل الفن عن الفنان من أن ثقافة الإلغاء قد تتحوّل إلى أداة رقابة وقمع، تحكم على الناس بمعايير أخلاقية متغيّرة وتضيّق هامش التعبير.ويشير هؤلاء إلى أن العديد من الفنانين الذين يُعدّون رموزاً اليوم كانت لديهم مواقف إشكالية بمعايير الحاضر، فهل يعني ذلك محو إرثهم بالكامل؟ إضافة إلى ذلك، يرى هذا التيار أن الإبداع فعل إنساني معقّد، وأن مطالبة الفنانين بالكمال الأخلاقي هو أمرٌ في غاية الصعوبة.