مانشستر يونايتد: السياسة والسلطة واللعبة الجميلة

مانشستر يونايتد: السياسة والسلطة واللعبة الجميلة

تتشابك قصة مانشستر يونايتد بعمق مع المشهد السياسي في المملكة المتحدة. فقد تحول النادي من فريق يمثل الطبقة العاملة إلى قوة كروية عالمية، في تحوّل لا يعكس نجاحه الرياضي فحسب، بل يعكس أيضا التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها المجتمع البريطاني، ولا سيما فيما يتصل بنهج الحكومة تجاه صناعة كرة القدم والهوية الوطنية الأوسع.

على مدى العقود الأخيرة، كان لجملة من السياسات الحكومية تأثير بالغ على كل من صناعة كرة القدم والأنشطة التشغيلية لمانشستر يونايتد. ففي تسعينات القرن الماضي، دفعت الحكومة باتجاه تسويق الرياضة، مما أحدث تغييرات جذرية في بنية كرة القدم، وتزامن صعود مانشستر يونايتد إلى الصدارة مع هذه التحولات. وقد شكّل تأسيس الدوري الإنجليزي الممتاز عام 1992 بداية مرحلة جديدة من التسويق، مدفوعة بإصلاحات حكومية شملت قطاع البث الإعلامي، حيث شجعت الدولة خصخصة الأندية الكروية وإنشاء سوق تلفزيونية مخصصة للرياضة، ما أدى إلى تدفّق هائل للثروة إلى أندية الدوري الممتاز. وبينما جاءت هذه السياسات لتعزيز قدرة الكرة الإنجليزية على المنافسة على الساحة العالمية، فإنها غيّرت كذلك البيئة التي تنشط فيها أندية مثل مانشستر يونايتد تغييرًا جذريًا.

وفي العام ذاته، صدر قانون “مخالفات كرة القدم”، الذي شدّد الرقابة على سلوك المشجعين والسيطرة على الحشود، وذلك استجابة لظاهرة الشغب التي ابتليت بها الملاعب البريطانية في الثمانينات. وقد عكس هذا القانون رغبة الحكومة في تحسين صورة اللعبة وجعل حضور المباريات أكثر أمنا وتنظيما. لكن، رغم نواياه الأمنية، أثّر هذا التشريع سلبا على الهوية التعبيرية للطبقة العاملة من جماهير كرة القدم. إذ وجد مشجعو مانشستر يونايتد التقليديون– الذين شكّلوا لسنوات عماد الثقافة الكروية– أن تجربتهم في “يوم المباراة” باتت خاضعة لسلسلة من اللوائح التي بدت منقطعة الصلة بواقعهم، مما أدى فعليًا إلى تقليص مساحات التعبير الجماهيري التي طالما ميزت هذه الثقافة.

ثم جاء أحد أبرز أشكال التدخل الحكومي في عام 1995، من خلال إدخال اتفاقية حقوق البث التلفزيوني للدوري الإنجليزي الممتاز. وقد شكّل هذا الإجراء نقلة نوعية في مشهد الإعلام الرياضي، إذ أُتيح للأندية لأول مرة التفاوض بشأن حقوقها الإعلامية بشكل مستقل، ما أدخل كرة القدم في عصر مالي غير مسبوق. وبفضل نجاحه الرياضي وتكيّفه الذكي مع هذا التحول الإعلامي، صعد مانشستر يونايتد ليصبح أحد أغنى الأندية في العالم وأكثرها شهرة.

close