ماذا لو عُرِض على مشاهدي التليفزيون بشكل متواصل أعمال درامية تتضمن مشاهد لانتهاك المرأة وإهانتها والحط من شأنها، ومشاهد لابن يسب والدته وزوجته ويعتدي عليهما بالضرب، وأعمال أخرى أبطالها جميعًا خارجون عن القانون: بلطجية، تجار مخدرات، ونساء ساقطات؟ بالتأكيد سيحدث نوع من التوحد بين هذا الجمهور وما يشاهده بشكل مستمر، وستصبح هذه الأفعال أمرًا اعتياديًا بالنسبة له، وسيقوم تدريجيًا بمحاكاة ما يراه على الشاشة، وهذه هي أزمة الدراما التليفزيونية الحقيقية اليوم.
بعد يناير ٢٠١١ وما أعقبها من إنفلات أمني، وبعد خروج الجهات الرسمية المعنية بإنتاج الدراما التليفزيونية في وزارة الإعلام، وهي: قطاع الإنتاج، وصوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، ومدينة الإنتاج الإعلامي، من سوق الإنتاج الدرامي وتوقفها عنه، أي توقف التليفزيون المصري عن الإنتاج، سقط سوق الدراما في الفوضى، وحدث إنفلات درامي رقابي بعد خمسة عقود منذ إنشاء التليفزيون المصري، ازدهرت فيها الدراما التليفزيونية المصرية، وتسيدت خلالها المشهد الدرامي في الشاشات العربية بنجومها وكتابها ومخرجيها العظام.
والرقابة التي أعنيها هنا ليست هي الرقابة على المصنفات الفنية التي تقرأ وتجيز جميع النصوص التليفزيونية والسينمائية قبل الموافقة على تصويرها، بل رقابة التليفزيون!
وهذه ليست دعوة لممارسة المزيد من الرقابة على الأعمال الدرامية، فرقابة التليفزيون كانت تنظر فيما يقدم: هل هذا العمل مناسب للعرض لجمهور التليفزيون أم لا؟ فالغالب الأعظم من جمهور التليفزيون هو من الأطفال والنساء، وجمهور التليفزيون غير جمهور السينما؛ فالأول يشاهد ما يعرض عليه بشكل مجاني في البيوت، والثاني يذهب بإرادته إلى دور العرض ويدفع من ماله ليشتري تذكرة ويختار ما يريد مشاهدته من أفلام.
في غياب رقابة التليفزيون على الدراما التليفزيونية منذ أكثر من عشرة أعوام، شاهدنا تصاعدًا لمشاهد العنف بلغت ذروتها في مشاهد لذبح إنسان لإنسان بكل أريحية، ناهيك عن العنف تجاه النساء، وهو الأمر الذي جعل المجلس القومي للمرأة يصدر بيان استنكار لما تضمنته الدراما من عنف تجاه المرأة.
كما شاهدنا شبه اختفاء للطبقة المتوسطة ومشكلاتها من الغالب الأعظم من الأعمال، ليتصدر المشهد الدرامي قاطنو الكومباوندات وسكان المناطق العشوائية، وصعود شخصية البطل البلطجي الخارج عن القانون، تاجر المخدرات الذي يتمتع أيضًا ـ ويا للغرابة ـ بالشهامة والجدعنة وأخلاق أولاد البلد، وتخصص النجوم محمد رمضان ومحمد عادل إمام وعمرو سعد وأحمد العوضي وغيرهم في تكريس هذا البطل الشعبي في أعمالهم.
ومن هنا تصاعدت أزمة الدراما التليفزيونية، وهذا لا ينفي أن هناك عشرات الأعمال الممتازة قدمت خلال تلك الأعوام، مثل: “ذات”، و”سجن النساء”، و”موجة حارة”، و”بدون ذكر أسماء”، و”واحة الغروب”، و”أفراح القبة”، وما يبدو من أسماء تلك الأعمال أن معظمها مأخوذ عن أعمال أدبية. فلماذا لا تعود الدراما التليفزيونية لتنهل من الأدب مجددًا، لعلها تجد فيه خشبة الخلاص، طالما أنها تعاني أزمة نصوص بعد رحيل كتاب الدراما الكبار مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد، خصوصًا وأن كتاب الدراما الجيدين حاليًا عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وسوق الدراما يقدم في كل موسم رمضاني أكثر من خمسين عملًا.