على قطعة بالية من القماش، ومن قلب الدمار، يجلس الطلاب في ظل غياب المقاعد على الأرض، دفاترهم على أرجلهم، دون فصول أو جدران تحميهم من الرصاص والقصف الغاشم، بعدما دمرت إسرائيل المدارس في غزة، بينما يتوسطهم مُعلم مهدد بالاستهداف، يحاول أن يمنحهم الحياة، وينتزع لهم من الاحتلال حقهم في التعليم، بعدما سلب منهم كل معالم الحياة، بالإبادة والمجاعة أو الدمار أو التجويع. “على الرغم من المعاناة التي يعيشها أهالي القطاع، والتي لم ينجو منها أطراف العملية التعليمية، والتضييق المستمر وقتل منابع الحياة، إلا أن الحق في استكمال الدراسة مقاومة وجهاد، وهذه عقيدة”.. بتلك الكلمات لخص الأمين العام للاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، سائد أرزيقات، حال التعليم في غزة، مؤكدًا أن الحواجز تمنع المعلمين من عملهم إلا أنهم مستمرون في العملية التعليمية، وهو ما يكلفهم الكثير ويضعهم تحت الاستهداف، وهو ما تحدث عنه “أزريقات” خلال حواره مع القاهرة 24. وإليكم نص الحوار:
الوضع في غزة مأساوي ورغم ذلك العملية التعليمية لا زالت مستمرة.. حدثنا عن أوضاع المعلمين في القطاع
في البداية، لابد أن نؤمن أن التعليم في غزة مقاومة، والتعلم هو أكسجين أطفالنا، ولكن الأوضاع مأساوية بشكل يفوق الوصف، فهناك أكثر من 13 ألف شهيد في الأسرة التعليمية، وبين الطلاب هناك أكثر من 27 ألف طفل جريح من الطلاب، 1700 معلم استشهدوا، كل المدارس تم تدميرها، سواء تدمير جزئي أو كلي، ولم يتبقّ سوى عدد من المدارس لا تتجاوز أعدادها أصابع اليد الواحدة، وهي عبارة عن مراكز لإيواء النازحين، وذلك بعد تدمير كل البنية التحتية.
ما هو تأثير الهجمات الإسرائيلية على العملية التعليمية في فلسطين؟
هناك هدف واضح للاحتلال يكمن في خلق جيل غير متعلم، والقضاء على التعليم في القطاع، ويستفزه رغبة الأطفال في استكمال تعليمهم وسط تلك المشاهد المأساوية والقاسية، فهناك استهداف للمدارس في الضفة الغربية، وكذلك في جنين وطور كرم، ومنع انتظام العملية التعليمية في أكثر من 60 مدرسة.
وماذا تفعل الحكومة الفلسطينية في تلك المدن البعيدة عن قطاع غزة بعد تدمير مدارسها؟
حتى الآن يتم العمل على معالجة بعض تلك المدارس، التي تتعرض للهجمات الغاشمة من الاحتلال، ويتم إعادة فتح لتلك المدارس انتظام العملية التعليمية، إلا أن بعضها لا زال مغلقا؛ بسبب جرأة الاحتلال الإسرائيلي وهجومه المتكرر على تلك المدارس.
ما هي أبرز الممارسات التي تنتهجها دولة الاحتلال لاستمرار العملية التعليمية في فلسطين؟
هم يعتمدون على تقطيع عصب المدن التي بها مدارس، ويمنعون الطلاب والمدرسين بسبب الحواجز من الوصول للمنشآت التعليمية، فهناك أكثر من 950 حاجزا إسرائيليا الآن تفصل القرى عن المدن والمدن عن بعضها البعض، والتحرك بات صعبًا للغاية، وهناك استهداف واضح للعملية التعليمية بكافة مكوناتها في ظل الأزمات وفي ظل التضييق الكبير.
في ظل تلك الممارسات.. كيف تتعامل نقابة المعلمين الفلسطينيين مع دعم العملية التعليمية بشكل عام؟
هناك أكثر من محور نعمل عليه في هذه الأزمة، في فترة الهدنة في قطاع غزة، تم إعادة افتتاح العديد من المراكز التعليمية الخاصة، والمبادرات الذاتية في التعليم وشجعناها، فضلًا عن التعاون مع العديد من المؤسسات الدولية والمؤسسات المتخصصة بالشأن التربوي لدعم المعلمين، وذلك فضلًا عن تأسيس مجموعة من المدارس الافتراضية في الضفة الغربية ويديرها المعلمين وينضم لها عدد من الطلاب في قطاع غزة، حيث تم إتاحة الفرصة لهم لاستكمال التعليم افتراضيُا بها هذا العام، بدلًا من ضياع عام آخر، ونجحنا في هذا الجانب لإنهاء العام الدراسي لأكثر من 240 ألف طالب بغزة.
هل هناك دعم مادي يتم تقديمه أم هو دعم لاستكمال العملية التعليمية من خلال تلك المبادرات؟
أمين اتحاد المعلمين الفلسطينيين مع محرر القاهرة 24 هذا أيضًا ضمن المحاور التي نعمل عليها، الدعم المادي المباشر للمعلمين، حيث قدمنا لأكثر من 4 آلاف معلم بالشراكة مع العديد من المؤسسات الدولية والنقابات الدعم المادي، فضلًا عن تقديم معونات غذائية في ظل الحاجة للمواد الغذائية بالقطاع، وتم توزيع طرود غذائية تصل إلى 3000 طن، كما تم إنشاء مراكز تربوية تطوعية فضلًا عن سداد رسوم الجامعات لحوالي 10 آلاف طالب من أبناء المعلمين، ولكن هناك بعض التحديات التي تواجهنا في هذا الجانب.
ما هي أبرز تلك التحديات؟
على رأس هذه التحديات، أن المعلمين يتنقلون من مكان لآخر، ويجبرون على النزوح، وبالتالي يكون من الصعب الوصول لهم، أو معرفة بياناتهم، لذلك أنشأنا نظاما إلكترونيا لتتبع المعلمين وتحديث بياناتهم، وأجرينا هيكلة لأماكن العمل للمعلمين، بحيث تكون أقرب لمناطق سكنهم، لكي لا يتعارضون مع الحواجز الإسرائيلية ويتمكنون من الوصول بسهولة للمدارس. ومن ضمن الأزمات التي تواجهنا، وتواجه المعلمين في غزة، هي الرواتب وتحديدًا في ظل الأعباء المعيشية والظروف القاسية التي خلفتها الحرب على المعلمين، مشيرًا إلى أنه تم الاتفاق على رفع نسبة صرف الرواتب 70% والحد الأدنى لـ 3500.
خلال شهور الحرب.. هل كانت رواتب المعلمين تصرف بشكل منتظم؟
نعم بالتأكيد، وكنا متابعين للموضوع، وبالتعاون مع الحكومة تم إعطاء أكثر من 60% من المعلمين رواتبهم بشكل كامل، فضلا عن التفاهم على صرف المواصلات بشكل كامل للمعلمين، ومن المنح أيضًا المقدمة للمعلمين تقليص عدد أيام الدوام في المدارس من 5 أيام لـ 4 أيام لتقليل المسئولية على المعلمين والأعباء عن كاهلهم.