في وقتٍ تُواصل فيه مليشيا الحوثي في اليمن تجنيد آلاف الأطفال عبر ما تُسمى بـ”المراكز الصيفية”، وتحويلهم إلى وقود لمعركة طويلة الأمد ذات طابع طائفي، تتصاعد التحذيرات الدولية من كارثة تعليمية غير مسبوقة تهدد مستقبل ملايين الأطفال في البلاد، حيث تفيد تقارير رسمية بأن أكثر من 4 ملايين طفل يمني خارج أسوار المدارس.
تقرير حديث صادر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) كشف أن عدد الأطفال اليمنيين غير الملتحقين بالتعليم وصل حتى مطلع العام الجاري إلى 3 ملايين و970 ألفًا و157 طفلًا، أي ما يعادل 34.5% من إجمالي الأطفال في سن التعليم (من 5 إلى 17 عامًا)، والذين يُقدّر عددهم بنحو 11 مليونًا و510 آلاف طفل.
ويُشكل الأطفال النازحون داخليًا ما نسبته الكبيرة من هذه الأرقام، بواقع 1.5 مليون طفل، إلى جانب نحو 870 ألف طفل من ذوي الإعاقة. كما يُظهر التقرير تراجعًا خطيرًا في فرص التعليم للفتيات، حيث بلغ عددهن مليونًا و905 آلاف فتاة، أي ما يمثل 48% من إجمالي الأطفال غير الملتحقين، مقابل مليونين و64 ألف فتى.
ولفت التقرير إلى أن نسب التسرب والانقطاع عن التعليم تتفاقم في المراحل الأساسية، مقارنة بالثانوية أو التمهيدية، نتيجة لعوامل معقدة ومترابطة تشمل النزوح وانعدام الأمن والفقر والانهيار الاقتصادي، إضافة إلى الدمار الواسع الذي طال البنية التحتية التعليمية، خصوصًا في المناطق الواقعة قرب جبهات القتال.
في سياق متصل، أشار تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن نحو 1.5 مليون فتاة يمنية لم يتلقين أي تعليم خلال العقد الأخير، في واحدة من أسوأ الأزمات التعليمية على مستوى العالم.
وأكد التقرير أن هذا الغياب لا يقتصر على حرمان الفتيات من فرص التعليم والعمل، بل يُعرّضهن لمخاطر متعددة، أبرزها زواج القاصرات والحمل المبكر، وما يتبعه من مضاعفات صحية خطيرة تهدد حياتهن.
وأوضح الصندوق أن الفقر والعنف والنزوح، وانهيار الخدمات الأساسية، جميعها عوامل أدت إلى إقصاء ملايين الفتيات عن حقهن في التعليم، داعيًا إلى تحرك عاجل لإنقاذ ما تبقى من مستقبل أجيال كاملة.
وتترافق هذه الكارثة مع حالة تدهور غير مسبوقة شهدها قطاع التعليم، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، الذين بسطوا نفوذهم على النظام التربوي، وفرضوا مناهج دراسية محرفة، تتماشى مع توجهاتهم الأيديولوجية والطائفية.
وقد أكدت الحكومة اليمنية مرارًا أن المليشيا تنتهج سياسة تدمير ممنهج للتعليم، عبر حرمان ملايين الأطفال من حق التعليم، وتجنيد الطلبة في معاركها، بالإضافة إلى قطع رواتب المعلمين، واعتقال عدد كبير من التربويين، بل وقتل وإصابة المئات منهم.
وفي حين تقر المليشيا بتدهور الوضع التعليمي في مناطقها، وتشير تقاريرها إلى وجود أكثر من 2.4 مليون طفل خارج المدرسة من أصل 10.6 ملايين في سن الدراسة، تُرجع مصادر تربوية هذا الانهيار إلى السياسات الحوثية المباشرة، واستخدام التعليم كأداة للتجنيد والتعبئة، بدلاً من كونه وسيلة لبناء الإنسان والمجتمع.