مسؤول بوزارة التعليم يرد على جدل تدريس “الهيب هوب” بالمدارس

أثار إدماج رقصات “الهيب هوب” و”البريكينغ” ضمن تكوين أساتذة التربية البدنية جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسمت الآراء بين من اعتبر الخطوة تجديدًا تربويًا يراعي اهتمامات الجيل الجديد، وبين من رآها “تغريبًا” عن القيم والثقافة الوطنية.وتعليقا على هذه المواقف المتضاربة، خرجت وزارة التربية الوطنية عن صمتها لتوضح خلفيات هذا القرار، وتبرز أبعاده التربوية والبيداغوجية ضمن رؤية شمولية للنهوض بالرياضة المدرسية.في هذا الصدد، عبد السلام ميلي، مدير الارتقاء بالرياضة المدرسية بالوزارة، يكشف في هذا الحوار مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، عن دوافع إدراج هذه الأنشطة الحديثة في الفضاء المدرسي، ويرد على الانتقادات الموجهة لها.وأكد المسؤول أن الأمر ليس تقليدًا سطحياً أو توجهات غير مدروس، بل جزء من استراتيجية وطنية تتماشى مع التوجيهات الملكية، لافتا إلى أنه تم الاستفادة من تجارب دولية رائدة مثل كندا وفرنسا، حيث أصبحت هذه الرياضات وسيلة ناجعة لتعزيز الصحة النفسية والانضباط، ومحاربة الهدر المدرسي.نص الحوار كاملا:ما الدوافع التربوية والبيداغوجية وراء إدماج رقصات “الهيب هوب” و”البريكينغ” ضمن برامج تكوين أساتذة التربية البدنية؟من الملح قبل الإجابة على سؤالكم وتنويرا للرأي العام الذي تفاعل مع هذا الموضوع بشكل كبير، أن نميز بين حصص التربية البدنية وبين أنشطة الرياضة المدرسية، فالأولى هي دروس وحصص إلزامية مؤطرة بمنهاج وبرنامج وطني ووفق توجيهات تربوية وطنية يتم تقييم منجزات وتعلمات التلاميذ بموجب نقط تحتسب في المعدل العام للتلميذ، أما أنشطة الرياضة المدرسية والتي هي موضوع هذه التكوينات، فتمارس من خلال الجمعية الرياضية المدرسية، وهي اختيارية يمارس من خلالها التلميذ أنشطته الرياضية المفضلة، وتحظى كذلك بأهمية كونها أحد البنيات أساسية في منظومة التربية والتكوين.لذلك فمختلف الإصلاحات التي عرفتها المنظومة التربوية ببلادنا كالميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي والرؤية الاستراتيجية 2015-2030 وخارطة الطريق 2022-2026، أكدت على ضرورة الارتقاء بالأنشطة الرياضية المدرسية وجعلها أداة لتعزيز النمو الجسمي والنفسي والتفتح الثقافي والفكري للمتعلم(ة) من خلال تنويع الأنشطة ومراعاة الفئات العمرية والخصوصيات الجهوية والثقافية والاجتماعية.فمن بين طموحات المدرسة المغربية ذات الجودة التي ارتكزت عليها خارطة الطريق 2022-2026 نجد طموح تعزيز التفتح والمواطنة بجعل المدرسة فضاء للتربية على القيم الوطنية والكونية وحس المواطنة وحب الاستطلاع والثقة في النفس وخاصة من خلال أنشطة موازية ورياضية تمكن التلميذات والتلاميذ من التفتح وتحقيق ذواتهم.ووجب التذكير أيضا أن النموذج التنموي الجديد ببلادنا جعل الرياضة وسيلة للتنمية الشاملة من جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دون أن ننسى التوجيهات الملكية السامية سنة 2008 والتي دعت إلى إعادة تأهيل الرياضة، اعتبارا لدورها الريادي في الاكتشاف المبكر للمواهب المؤهلة وصقلها.وأيضا شهدت المؤسسات التعليمية انفتاحا على مجموعة من الرياضات التي تستهوي التلميذات والتلاميذ كالأيروبيك والبركدانس والسكايت والرولر والهوكي على العشب والكانوي كاياك وغيرها، بما مجموعة 56 رياضة يمكن أن تشكل متنفسا للتلاميذ للتخفيف من التوتر وتحسين الصحة النفسية وفرصة لإبراز مواهبهم الدفينة وتفجير طاقاتهم.وتتوج هذه الأنشطة التي تمارس في إطار الجمعية الرياضية المدرسية ويشرف على تأطيرها أساتذة التربية البدنية والرياضية، ببطولات محلية ثم إقليمية وجهوية وما بين الجهات وصولا إلى البطولات الوطنية، لذلك وجب دعم قدرات هؤلاء الأساتذة وتعزيز تكوينهم المستمر من أجل الاطلاع على الجوانب التقنية والقانونية للعبة وتعزيز قدراتهم في تنظيم وتحكيم البطولات ودعم انتشار اللعبة على صعيد المؤسسات التعليمية.كيف ترد الوزارة على الانتقادات التي ترى في هذا القرار ابتعادًا عن القيم الثقافية والتربوية المغربية؟الثقافة المغربية معروفة بالغنى والتنوع والانفتاح، وإدراج الهيب هوب والبريكينغ لا يعني الابتعاد أو التخلي عن القيم الثقافية والتربوية الوطنية، بل يندرج ضمن مقاربة شمولية تهدف إلى توسيع مدارك التلاميذ وتمكينهم من التعبير عن ذواتهم بطرق فنية معاصرة وخلق الجسور بين التراث والحداثة.هي ليست مجرد “موضة” أو تقليد أعمى كما يدعي البعض، بل تندرج ضمن توجه مؤسساتي استراتيجي، ويمكن توظيفها بفعالية في تعزيز الثقة بالنفس والانضباط الذاتي، وتحفيز التلاميذ المنقطعين أو المهددين بالفشل الدراسي ومحاربة السلوكيات المنحرفة عبر إدماج الشباب في أنشطة بنّاءة.والعديد من التجارب الدولية (فرنسا، كندا، كوريا الجنوبية…) أدرجت هذه الأنشطة في المدارس وحققت نتائج إيجابية على المستويات النفسية والاجتماعية.كما أنها رياضة أولمبية معترف بها من طرف اللجنة الأولمبية الدولية، وقد تم إدراجها ضمن فعاليات الألعاب الأولمبية باريس 2024، ومن المرتقب أن تكون حاضرة كذلك في أولمبياد الشباب بدكار سنة 2026.هل هناك نية لتعميم هذا التكوين مستقبلاً على المؤسسات التعليمية، وما المعايير التي سيتم اعتمادها لتقييم نجاعته؟بصفة عامة يعتبر التكوين المستمر دعامة أساسية لبرنامج النشاط الرياضي المدرسي، إذ يمكن أطر الرياضة المدرسية من مواكبة المستجدات البيداغوجية والعلمية والتقنية بهدف الرفع من المستوى التقني والتنظيمي للبطولات الوطنية وأيضا توسيع قاعدة الممارسين في مختلف الرياضات، وبالتالي يظل مرتكز التنويع الرياضي وتلبية ميولات المتعلمين دائما في إطار أنشطة الرياضة المدرسية وحسب خصوصية كل جهة، المحرك الأساسي لتوجيه التكوينات المخصصة لأطر الرياضة المدرسية.ووجب الإشارة أن توقيع اتفاقية الشراكة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية، الرشاقة البدنية، الهيب هوب والأساليب المماثل هو التزام بتطوير هذه الرياضة من خلال جعل الرياضة المدرسية المشتل الحقيقي للتنقيب عن المواهب في هذه الرياضة.وحسب رغبة أطر الرياضة المدرسية ومتطلبات كل جهة سيتم تنظيم تكوينات لفائدة أساتذة التربية البدنية والرياضية ، مما يتيح لهم تقديم الدعم التقني واللوجستي لتأطير هذه الممارسة ومواكبة المواهب الشابة داخل المؤسسات التعليمية وتوجيهها نحو الأندية الوطنية والدولية مما سيخلق فرصا للتلاميذ المتميزين للالتحاق بمسالك رياضة ودراسة، وأيضا تكوين قاعدة معطيات للتلاميذ المتميزين الذين يمكنهم تمثيل المغرب أحسن تمثيل في المحافل القارية والدولية.

close