كيف نفهم التراجع الملحوظ فى الذهب عالمياً؟.. تعافى الدولار وتأجيل الرسوم الجمركية الأمريكية على الاتحاد الأوروبي أبرز الأسباب.. وتراجع الطلب على الملاذ الآمن وزيادة شهية المستثمرين نحو الأسهم


تراجعت أسعار الذهب العالمية بنسبة 1.1% خلال تعاملات اليوم، لتواصل خسائرها لليوم الثاني على التوالي، متأثرة بتعافي الدولار الأمريكي وتهدئة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويأتي هذا التراجع بعد موجة من الارتفاعات التي سجلها المعدن الأصفر في الأسبوع الماضي، مدفوعة بمخاوف الأسواق من اتساع العجز المالي الأمريكي واحتمالات خفض التصنيف الائتماني.

ووفقًا لتحليل شركة «جولد بيليون»، هبط سعر أونصة الذهب إلى أدنى مستوياته اليوم عند 3292 دولار، مقارنة بسعر افتتاح بلغ 3346 دولار، قبل أن يستقر نسبيًا عند 3307 دولار للأونصة خلال فترة إعداد التقرير.

أحد العوامل الرئيسية وراء تراجع الذهب هو إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأجيل قراره بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات الولايات المتحدة من دول الاتحاد الأوروبي. هذه الخطوة أزالت مؤقتًا أحد أهم مصادر التوتر التجاري، وأعادت فتح باب التفاوض بين واشنطن وبروكسل حتى 9 يوليو المقبل.

وانعكس هذا القرار على شهية المخاطرة في الأسواق، حيث سجلت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية ارتفاعًا حادًا، رغم ضعف أحجام التداول بسبب عطلة أمريكية يوم الاثنين، وتحولت بعض السيولة من الملاذات الآمنة مثل الذهب نحو الأصول عالية المخاطرة، ما زاد من الضغوط البيعية على المعدن النفيس.

وتزامن تراجع الذهب مع تعافي الدولار الأمريكي من أدنى مستوياته في شهر، ما عزز الضغوط السلبية على الأسعار، ومع أن الذهب لا يزال يحظى بدعم نسبي من التوترات الاقتصادية بعيدة المدى – خصوصًا بعد تمرير خطة خفض الضرائب في الكونجرس والتي من المتوقع أن ترفع الدين العام الأمريكي إلى 40 تريليون دولار خلال عشر سنوات – إلا أن الأداء اللحظي يتأثر حاليًا بالعوامل الفنية والحركية في السوق.

وكانت وكالة موديز خفضت التصنيف الائتماني للديون السيادية الأمريكية، ما أشعل موجة بيع في سوق السندات الأمريكية، ورفع عوائدها إلى مستويات قياسية، قبل أن تتراجع من ذروتها مجددًا يوم الثلاثاء، في ظل استقرار نسبي في الدولار.


تحذيرات الاحتياطي الفيدرالي تزيد الترقب


وفي سياق متصل، حذر نيل كاشكاري، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، من أن الرسوم الجمركية قد تتسبب في صدمة ركود تضخمي للاقتصاد الأمريكي، تؤدي إلى تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار، لكنه استبعد خفض أسعار الفائدة في الأجل القصير.

ويترقب المستثمرون تصريحات عدد من أعضاء الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع، بالإضافة إلى صدور مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي يوم الجمعة، لتحديد المسار المحتمل للفائدة، وتشير توقعات العقود الآجلة إلى إمكانية بدء خفض الفائدة مجددًا في سبتمبر المقبل.

في السوق المصري، سجل الذهب المحلي تراجعًا مواكبًا لانخفاض الأسعار العالمية، مدعومًا بتراجع تدريجي في سعر صرف الدولار أمام الجنيه، وانخفض سعر جرام الذهب عيار 21 – الأكثر تداولًا – من 4680 جنيهًا إلى 4632 جنيهًا، بعد أن تراجع أمس بمقدار 10 جنيهات أيضًا.

وأفاد تقرير «جولد بيليون» أن تراجع الذهب المحلي يعود بالأساس إلى عاملين متداخلين: الأول، التراجع الحاد في سعر الأونصة عالميًا، والثاني، التحسن الملحوظ في استقرار سوق الصرف محليًا، في ظل استئناف صندوق النقد الدولي لمراجعة صرف الشريحة الخامسة من برنامج التمويل لمصر.

وبينما يُضعف تحسن الجنيه من قدرة الذهب المحلي على تحقيق مكاسب عند ارتفاع السعر العالمي، إلا أنه في المقابل يضاعف أثر التراجع العالمي ويزيد من حدة الهبوط محليًا.


توقعات الذهب


فنياً، يواجه الذهب العالمي مقاومة قوية عند مستويات 3370–3350 دولار للأونصة، والتي فشل في اختراقها هذا الأسبوع، مما أعاد الزخم السلبي إلى التداولات، ودفع السعر لكسر مستوى 3300 دولار، ويبدو أن المؤشرات الفنية وصلت إلى حالة حيادية، ما قد يحد من حدة التراجعات مؤقتًا في انتظار محفزات جديدة.

أما في السوق المحلي، فقد فشل الذهب عيار 21 في الحفاظ على مسار الصعود إلى مستوى 4700 جنيه، ما يرجح استمرار الضغوط البيعية مع اقترابه من مستوى الدعم عند 4600 جنيه للجرام.

وبين ضغوط الدولار المتعافي، وتهدئة الجبهة التجارية الأمريكية الأوروبية، يفقد الذهب بعضًا من بريقه كملاذ آمن، على الأقل في المدى القصير، ومع دخول الأسواق في مرحلة ترقب جديدة لقرارات الفيدرالي الأمريكي وتطورات العجز المالي، يبقى التذبذب عنوان المرحلة، سواء في السوق العالمية أو المحلية.

 

close