«وأخيراً… انتهاء القرن الدراسي»، قالتها الأم المصرية شيماء أحمد، عبر حسابها على موقع «فيسبوك»، معبرةً في سخرية عن سعادتها بنهاية السنة الدراسية الحالية.
مع اختتام امتحانات الفصل الدراسي الثاني، لدى كثير من صفوف النقل، احتفلت أمهات مصريات بأسلوبهن الخاص بوصول العام الدراسي إلى خط النهاية، وتحولت «غروبات الماميز» على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيق «واتساب» إلى ساحة واسعة يعبرن من خلالها عن شعورهن بالراحة بعد شهور طويلة من الضغط والتوتر المصاحب لأشهر الدراسة.
وبدأ العام الدراسي الحالي في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، وينتهي رسمياً 5 يونيو (حزيران) المقبل للسنوات غير النهائية بالمرحلة الإعدادية والثانوية، بإجمالي 35 أسبوعاً دراسياً. فيما تنتهي امتحانات «الشهادة الثانوية» في 10 يوليو (تموز) 2025.
تداوُل مصطلح «القرن الدراسي» على نطاق واسع تبرِّره منى شوكت، التي تقطن بمحافظة المنوفية (دلتا النيل) ويدرس أطفالها الثلاثة في صفوف النقل بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، بقولها لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المصطلح جاء تعبيراً ساخراً عن طول العام الدراسي وما يحمله من ضغوط مستمرة، فالأمهات يشعرن أن الأشهر الدراسية كأنها تمتد لعقود، نظراً لما يشهده العام من إرهاق في متابعة الأبناء في المذاكرة، كما تحولت العملية التعليمية إلى تحدٍّ يومي للأسرة ككل يتطلب جهداً نفسياً واجتماعياً ومادياً كبيراً، لذا فحالة الاحتفاء بإنجاز هذا العبء منطقية للغاية».
وتواصلت فرحة التعبير عن الخلاص من «العبء الدراسي» عبر مختلف منصات «السوشيال ميديا»، من خلال توظيف «الكوميكسات» ومنشورات الفكاهة.
ورغم ضحك ربة المنزل الثلاثينية المقيمة بالجيزة، مريم أحمد، مع مشاهدتها مقطعاً درامياً للفنانة المصرية، عبلة كامل، من المسلسل الشهير «لن أعيش في جلباب أبي»، وُظّف للإشارة إلى نهاية الامتحانات، إلا أنه جاء معبّراً عن معاناتها.
تقول الأم لـ«الشرق الأوسط»: «هذا العام كان مرهقاً جداً، خصوصاً مع وجود ابنتي الكبرى في الصف الرابع الابتدائي لغات، حيث كانت المواد الدراسية صعبة، مما دفعني إلى تخصيص وقت طويل يومياً للمذاكرة معها، مما أثر على حياتنا المنزلية بالكامل، فلم نتمكن من الخروج كثيراً أو استقبال الضيوف، فكل شيء يدور حول الواجبات والامتحانات، وزاد الأمر تعقيداً التقييمات المستمرة التي أقرّتها الوزارة، فبدلاً من امتحان شهري واحد، أصبح لدينا تقييم أسبوعي في كل مادة، وهو ما ضاعف الضغوط».
توافقها الرأي الأم سارة غمري، وهي طبيبة ووالدة لتلميذين، تقطن بمحافظة القليوبية (دلتا مصر)، وتروي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الدراسة مبكراً وانتهت متأخرة، والمعلمون كانوا يسابقون الوقت لإنهاء المناهج قبل الوقت المحدد، وكثير من المواد تُركت للأهالي ليقوموا بشرحها في المنزل، إما بأنفسهم وإما باللجوء إلى الدروس الخصوصية، مما زاد من الأعباء عليّ، وشعرت بالانعزال عمّن حولي، فالتعليم أصبح يستحوذ على 80 في المائة من وقت الأسرة ومجهودها».
مُؤسِّسة «ائتلاف أولياء أمور مصر»، الخبيرة التربوية والاجتماعية، داليا الحزاوي، تؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك الكثير من الضغوط التي يعاني منها الأمهات والطلاب في العام الدراسي، ويظهر ذلك جلياً مع منشورات الأمهات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تترجم ما تشهده الأسرة من توتر شديد لأسباب متعددة، أبرزها عدم قيام بعض المدارس بدورها في توفير بيئة تعليمية داعمة ومحفزة للطلاب، مما يدفع أولياء الأمور إلى الدروس الخصوصية، مما يشكل عبئاً مادياً كبيراً عليهم».
وتتابع: «كما تلجأ الأمهات إلى تحويل البيت إلى مدرسة مسائية، للمتابعة مع أطفالهن، وهنا تتأثر صحة الأم النفسية من ضغوط الدراسة، فتعاني من القلق والتوتر والشعور بالإحباط، كما قد يُحدث تأثيرات على الصحة الجسدية، مثل الصداع والأرق خصوصاً إذا كانت الأم مرأة عاملة».
وزير التربية والتعليم المصري يتحدث إلى أولياء أمور طلاب بمحافظة المنوفية (المصدر: وزارة التربية والتعليم المصرية)
ورغم أن كتيب «مصر في أرقام» يفيد بأن متوسط نصیب الفرد من الإنفاق السنوي للأسرة على «التعليم» يبلغ 5.7 في المائة من قيمة إنفاقها السنوي، فإن أولياء أمور من بينهم الأب الأربعيني عبد الرحمن مجدي، وهو ولي أمر 3 تلاميذ، ويعمل مندوب تسويق بمحافظة المنوفية، (دلتا مصر)، يؤكدون أن النسبة أعلى من ذلك بكثير. ويضيف مجدي لــ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «نتعرض لضغوط اقتصادية كثيرة تستنزفها العملية التعليمية، تتمثل في التكاليف المتزايدة للكتب الخارجية والدروس الخصوصية، إلى جانب مصروفات المدرسة، وتكاليف المواصلات للمدرسة والدروس».
وزير التربية والتعليم والمصري في زيارة لمدرسة بمحافظة المنوفية (المصدر: وزارة التربية والتعليم المصرية)
وترى الخبيرة الاقتصادية، الدكتورة هدى الملاح، أنه في ظل ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار، فإن الأسر المصرية تخصص جزءاً كبيراً من دخلها لتغطية نفقات التعليم، الذي يعد أولوية بالنسبة إليهم، مؤكدةً أن التعليم بات يمثل عبئاً مالياً كبيراً على مختلف المستويات الاجتماعية، وتختلف هذه الأعباء وفق دخل الأسرة ونوعية التعليم الذي تختاره لأبنائها.
وحسب تصريحات لوزير التربية والتعليم المصري السابق، رضا حجازي، في عام 2022، فإن متوسط فاتورة الدروس الخصوصية في مصر تقدَّر بنحو 47 مليار جنيه سنوياً.
أما الأم «ولاء»، موظفة بإحدى الشركات العقارية، فتنهدت طويلاً وهي تشاهد مقطع فيديو بعنوان «خلّصنا ماجستير 3 ابتدائي»، قبل أن توضح أنها بوصفها أمّاً مطلقة ومسؤولة عن طفل وطفلة، كان عليها تحمل الأعباء المالية للدراسة، بالإضافة إلى ترتيب مواعيد الدروس الخصوصية، ومتابعة الأطفال تليفونياً عند الخروج مع المنزل للذهاب إلى الدروس وحتى العودة خوفاً من التعرض لأي أذى، مضيفةً لـ«الشرق الأوسط»: «مع انتهاء الامتحانات أخيراً، يمكنني أخذ استراحة قصيرة من هذا القلق اليومي، قبل أن يبدأ (ماجستير جديد) العام المقبل».