حادثة الدهس في ليفربول تعيد ‘هيسل’ إلى الأذهان

طغت حادثة الدهس على احتفالات ليفربول بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز للمرّة العشرين في تاريخه، فاتحد عالم كرة القدم في تضامنه مع “الريدز”.

وأعلنت الشرطة البريطانية أنّ السائق احتجز “للاشتباه بتورّطه في محاولة قتل والقيادة تحت تأثير المخدرات”، مستبعدة شبهة الإرهاب نهائياً.

وكانت جماهير ليفربول تمني النفس بيوم مميز وسعيد جداً بالنسبة إلى الفريق الذي جال لاعبوه وطواقمه الشوارع على متن حافلة مفتوحة احتفالاً بلقب الدوري، لكن الحادثة عكرت الأجواء.

وأبدى أسطورة ليفربول الاسكتلندي كيني دالغليش أسفه الشديد لما حصل، وأضاف متوجهاً إلى المصابين: “لم يكن نشيدنا أكثر ملاءمة من الآن، لن تمشي وحدك أبداً (يو ويل نيفر ووك ألون). عائلتكم في ليفربول تقف خلفكم”.

وقال المدرب الألماني يورغن كلوب: “أنا وعائلتي نشعر بالصدمة ومحطمون، أفكارنا مع كل المصابين والمتضرّرين. لن تسيروا وحدكم أبداً”.

وأظهرت لقطات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي سيارة داكنة اللون تقتحم حشداً كثيفاً وتصدم أشخاصاً عدة. ويظهر في الفيديو أشخاص يسقطون من جانبي السيارة وعلى غطاء محرّكها، ثم عشرات الأشخاص يهاجمون السيارة، ربما لإيقافها أو لتوقيف السائق.

وتحل في 29 أيار/ مايو الذكرى الأربعين لحادثة تتمنى الذاكرة نسيانها أو محوها، وهي “مجزرة هيسل” تيمناً بملعب هيسل في بروكسل، وقبل نهائي دوري أبطال أوروبا، عندما هاجم مشجعو ليفربول قسماً من مناصري جوفنتوس الإيطالي، ما أسفر عن مقتل 39 شخصاً على نحو مروّع.

 

جمهور ليفربول. (وكالات)

ومن تبعات هذه الحادثة، كانت طرد النوادي الإنكليزية من المسابقات الأوروبية لخمسة مواسم، وبذرة تعافي كرة القدم في نهاية المطاف من أعمق بؤسها، وإن كان ذلك قد استغرق وقتاً.

أدت عدة أسباب إلى حالة الكراهية هذه. في الموسم السابق، تعرّض مشجعو ليفربول للهجوم في روما من قبل “تيفوسي”، وسمحت لهم الشرطة بذلك، ما خلق بيئة خصبة للاستياء. كانت بلدة مقاطعة “ميرسيسايد” حيث مدينة ليفربول في حالة انفصام. كانت لديها أعلى معدلات بطالة في البلاد، ولكن في الوقت نفسه، وفرت لهم كرة القدم منفذاً. فاز “الريدز” وإيفرتون معاً بكل ألقاب الدوري بين عامي 1981 و1988.

وغلب اليأس الاجتماعي بين جماهير “الريدز”، إذ كانت مدينة ليفربول واحدة من أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكنها عانت من عقود من الصعوبات في القرن العشرين. واجهت قصف الحرب العالمية الثانية، وانحدار نشاط الموانئ، فعمّت البطالة الجماعية في الثمانينيات، ما عزز وضعيتها كمدينة مهمشة، متأثرة بشدة بالثقافة الأيرلندية، وبعيدة من مراكز السلطة في لندن. وهبّت رياح التجديد على المدينة، التي أنجبت فرقة البيتلز، في العقود الأخيرة، من خلال إعادة ابتكار نفسها كمقصد جذاب للسياح الباحثين عن الثقافة والحياة الليلية، وكرة القدم لتي اكتست بشعار “لن تسير وحدك أبداً”، حيث وفرت اللعبة ملاذاً وهويةً ووسيلةً لتفريغ الإحباط وجميع الاضطرابات الاجتماعية.

وبعد حادثة هيسل، عملت الحكومة البريطانية وقتها لإنقاذ كرة القدم من الانهيار في مهدها، فأقرّت قوانين مثل قانون مشجعي كرة القدم بحظر حضور الجماهير في الملاعب، وأسست شرطة متخصصة للملاعب، مع أنّ ذلك لم يمنع وقوع مأساة أكبر مثل هيلزبره عام 1989، حيث فقد 97 مشجعاً لليفربول أرواحهم.

الحادثتان، قلبتا معايير المنافسة في القارة العجوز، حيث منيت الكرة الإنكليزية بصفعة كبيرة في عز قوّتها، وقلصت هيمنتها على ألقاب دوري الأبطال، ما سمح لقيام قوى أخرى ولا سيما ميلان الإيطالي وبرشلونة وأياكس أمستردام وأولمبيك مرسيليا وجوفنتوس وبوروسيا دورتموند وريال مدريد، قبل أن يكسر مانشستر يونايتد القاعدة ويعيد الإنكليز مجدداً إلى الواجهة 1999.

لذا فإنّ كارثة “هيسل” قضت على الجيل الذهبي لليفربول الذي ضم نجوماً من العيار الثقيل مثل الحارس الزيمبابويي بروس غروبيلار، والثنائي الهجومي إيان راش وكيني دالغليش، وحرمت “الريدز” من إضافة ألقاب أخرى في حقبة الثمانينيات، وأبعدته عن منصات التتويج حتى 2005، حينها أعادت ملحمة اسطنبول الفريق إلى المنصات القارية على حساب ميلان.

close