120 عاماً ومدربين… بلاتينسي يحفر اسمه بالذهب في الأرجنتين

محمد منيمنةبلاتينسي، الفريق الأرجنتيني الملقب بـ”الحبار”، حقق لقبه الأول في تاريخه الممتد 120 عاماً، وسيلعب للمرّة الأولى في كأس ليبرتادوريس.في مطلع حزيران/ يونيو الحالي، كتب نادٍ مغمور من ضواحي بوينس آيرس اسمه على لوح من ذهب في سجل الكرة الأرجنتينية. بلاتينسي، الذي قضى عمره في الظلال، فجر مفاجأة كروية مدوية وتوّج بلقب الدوري (النصف الأول) للمرّة الأولى منذ تأسيسه عام 1905. هذا الخبر، لو ورد في شاشات المشرق العربي، لمر في ذيل نشرة رياضية. لكنه، كلما اقتربنا من الجغرافيا، يصعد تدريجياً في سلم الأهمية، حتى يصل إلى قلب الأرجنتين، إذ تحوّل الإنجاز إلى زلزال رياضي. أما في فيستني لوبيز، فإنّ ما جرى لا يعد إنجازاً، بل إعادة كتابة تاريخ منطقة بأكملها.بلاتينسي لم يكن ضمن قوائم التوقعات؛ الفريق الذي بلغت قيمة تشكيلته السوقية هذا الموسم بحسب موقع “ترانسفيرماركت” 34 مليون يورو فقط، أي أقل بـ4 مرات من نادٍ بحجم ريفر بلايت، أطاح بـ3 من كبار الأرجنتين في طريقه إلى اللقب. راسينغ كلوب، ثم ريفر بليت في عقر داره “المونومينتال” أمام 85 ألف مشجع، ثم سان لورينزو في ملعب “نويفو غاسوميتر”. وفي النهائي، أسقط أوراكان بهدف قاتل حمل توقيع غيدو ماينيرو في الدقيقة 80، ليتوّج الفريق ببطولة الأبيرتورا 2025، ويتأهل للمرّة الأولى في تاريخه إلى كأس ليبرتادوريس. للمرّة الأولى، سيعبر بلاتينسي حدود القارة كممثل للأرجنتين في أكبر بطولات أميركا الجنوبية.عودة إلى التاريخشهد عام 1943 حادثة غريبة في تاريخ النادي والدوري الأرجنتيني عموماً، إذ تساوى بلاتينسي مع منافسه على الصدارة آنذاك في كل شيء، ليفصل بينهما معيار استثنائي هو عدد الضربات الركنية المحتسبة لكل فريق! وحسم اللقب حينها لصالح المنافس الذي نال 4 ركنيات مقابل ركنية واحدة لبلاتينسي.مثل هذه الوقائع، رسخت صورة بلاتينسي كنادٍ صاحب تاريخ طويل مليء بالمفارقات والمواقف الدرامية. على صعيد البطولات الرسمية، جاء أول لقب وطني كبير في تاريخ بلاتينسي هذا العام بعد قرابة القرن وربع القرن.جماهير بلاتينسي لم تختبر طعم القارة من قبل، لم تر فريقها على مسار دولي، لم تسمع نشيد ليبرتادوريس من مدرجاتها، ولم تتذوّق حلاوة أن تكون جزءاً من مشهد أكبر من حدود حي فيسنتي لوبيز. اليوم، وللمرّة الأولى، يتحوّل الحلم إلى واقع. كتب أحد المشجعين على لافتة بعد التتويج: “كنا ننام نحلم، اليوم سنحلم ونحن مستيقظون”.لكن لنتأمل النظام؛ البطولة الأرجنتينية، ومنذ انطلاق هذا الموسم، باتت تلعب بنظام مجموعتين من 15 فريقاً، على نسق نظام البلاي أوف. يتأهل أول 8 من كل مجموعة إلى دور إقصائي مباشر من مباراة واحدة. هذه الصيغة تخلق بيئة خصبة للمفاجآت، تضيق فيها هوامش التراخي، وتفتح فيها بوابة الحلم لكل نادٍ مهما كانت موارده. بلاتينسي أنهى الدور الأول في المركز السادس، أي بالكاد تأهل. ولعب كل مباريات الإقصاء خارج أرضه، لكنه خرج من كل جولة أقوى.عند المقارنة، في بريطانيا مثلاً، هل يمكن تخيل نوتنغهام فورست أو كريستال بالاس يتوّجان بالدوري الإنكليزي الممتاز في نسخته الحالية؟ الواقع يقول لا. منذ انطلاق الـ”بريميرليغ” بنظامه الحديث، لم يخرج اللقب عن أندية الصف الأول سوى مرّتين خلال أكثر من 30 عاماً. أما في الأرجنتين، فقد توّج 11 فريقاً مختلفاً خلال 15 عاماً. النظام ليس تفصيلاً هنا. بلاتينسي يحفر اسمه بين الكبار. (إكس)بلاتينسي نموذجاً نادٍ يضم أقل من 8000 مشترك، يملك ملعباً بالكاد يتسع لـ30 ألف متفرج، ومدربين اثنين فافيو أورسي وسيرخيو غوميز صعدا من الدرجات الدنيا، وبدأا مسيرتهما مع فرق لا يملك حتى الجمهور أسماءها في ذهنه. “كل من له جذور عميقة، لا تقتلعها الريح بسهولة”، تقول مقولة مأثورة، وقد بدت وكأنها كتبت على جدار غرفة ملابس بلاتينسي ليلة النهائي، ربما.يقود الفريق حالياً جهاز فني مزدوج استثنائي. تولى هذا الثنائي مهمة تدريب بلاتينسي منذ موسم 2023، ويحسب لهما الفضل الكبير في تحقيق لقب 2025 التاريخي. يعتبر وجود مدربين رئيسيين يعملان جنباً إلى جنب حالة فريدة في الكرة الأرجنتينية وعالم كرة القدم عموماً.بلاتينسي لم يربح الدوري فحسب، بل انتزع اعترافاً من الكرة الأرجنتينية أنه موجود، وله مكانه في التاريخ. والآن، سيدوّن اسمه إلى جانب ريفر وبوكا وإنديبندينتي في قوائم الأبطال. أصبح بلاتينسي النادي رقم 34 الذي يفوز ببطولة رسمية في تاريخ الكرة الأرجنتينية.الفريق “الحبار” كما يلقب في الأرجنتين، بفقره المالي، وقلة نجومه، وصبر جماهيره، صنع واحدة من تلك الحكايات التي تبقى في الذاكرة، لا لأنها فازت، بل لأنها أثبتت أنّ الفوز ما زال ممكناً، وأظهرت أنه ممكن كسر احتكار الكبار للبطولات ومنح البقية أمل المنافسة.

close