يشهد قطاع التعليم تحولًا نوعيًا مدفوعًا بالتقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث لم تعد هذه التكنولوجيا تقتصر على المهام الآلية، بل أصبحت أداة استراتيجية تعزز من دور المعلم بدلاً من أن تحل محله.ومن المتوقع أن يرتفع حجم سوق الذكاء الاصطناعي في التعليم من 5.18 مليار دولار في عام 2024 إلى 112.3 مليار دولار بحلول عام 2034، مما يعكس أهمية هذا التحول.وبينما يكثر الحديث عن قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة المهام التعليمية، فإن الرؤية الأكثر واقعية تتمثل في كيفية الاستفادة من هذه الأدوات لتطوير بيئة تعليمية أكثر فعالية.فالخيار ليس بين المعلمين أو التكنولوجيا، بل في التكامل بين الجانبين لتحقيق نتائج أفضل.في الفصول الدراسية، يمكن توظيف نقاط القوة لكل من المعلمين والتكنولوجيا بشكل تكاملي. فأنظمة الذكاء الاصطناعي تبرع في تحليل البيانات الضخمة وتقديم تغذية راجعة فورية، فضلاً عن تحديد أنماط التعلم والفجوات لدى الطلاب.وفي المقابل، يتميز المعلمون بالقدرة على الفهم العاطفي، وقراءة السياقات الاجتماعية الدقيقة، إضافة إلى دورهم التوجيهي والملهم، خاصة لدى الفئات العمرية الصغيرة.أظهر استطلاع أجرته “فوربس أدفيزورز” في أكتوبر 2023 شمل 500 معلم أمريكي، أن 60% من المشاركين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في أداء المهام الروتينية مثل تصحيح الاختبارات وتتبع تقدم الطلاب، مع تزايد الإقبال لدى المعلمين الأصغر سنًا على هذه الأدوات.من بين المبادرات المتميزة، تقدم شركة “Squirrel AI” نظامًا تعليمياً يستخدم الذكاء الاصطناعي بالتوازي مع المحتوى المُعد من قبل المعلمين، ويخدم أكثر من 24 مليون طالب. يساعد هذا النموذج في معالجة نقص الموارد البشرية ورفع كفاءة التعلم.كما توفر منصة “MATHia” من شركة “Carnegie Learning” أدوات تحليل دقيقة لطريقة تفكير الطالب في كل سؤال، ما يساعد المعلمين في التدخل في الوقت المناسب.الأدوات التوليدية مثل “ChatGPT” توفر حلولاً سريعة لمهام كانت تستهلك وقتًا طويلاً، مثل إعداد خطط الدروس وتصميم أنشطة مخصصة، مما يخفف من عبء المعلمين ويسمح لهم بالتركيز على مهام أكثر استراتيجية وإنسانية.تشير بيانات مركز “بيو” للأبحاث إلى أن 73% من المعلمين يدركون أهمية الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، وهم منفتحون على دمجه في عملهم اليومي، وهو ما يبشر بمستقبل تعليمي تشاركي تتقاطع فيه التقنية مع الخبرة البشرية.في زمن تتسارع فيه التحولات، بات من الضروري إدماج الذكاء الاصطناعي بشكل مدروس في قطاع التعليم، مع الحفاظ على الدور الأساسي للمعلم.هذا التكامل لا يعزز فقط من جودة التعليم، بل يسهم في معالجة تحديات كبرى مثل الإرهاق المهني للمعلمين، والضغط الناتج عن المهام المتكررة، وتعزيز الدعم المخصص للطلاب في رحلتهم التعليمية.