التعليم عن بُعد.. من حل مؤقت إلى خيار استراتيجي

أيمن شكل٪30 نمواً سنوياً بالالتحاق بالبرامج التعليمية عبر الإنترنت منذ 2020خبراء: اعتراف البحرين بالشهادات مثال مشرف لتبني التوجهات العالميةلم يعد التعليم عن بعد مجرد بديل متاح يمكن استخدامه في فترات زمنية مثلما حدث في حقبة جائحة كورونا، ولكنه أصبح ضرورة ملحة تفرض نفسها وتتوسع مع تطورات العصر والتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، وأيضاً مع التوجه لخفض تكاليف الدراسة في الخارج.وتبنت دول عدة في منطقة الشرق الأوسط برامج تعليمية إلكترونية معتمدة، مما فتح آفاقاً جديدة للطلاب وخاصة طلبة الدراسات العليا.وتُعد البحرين من الدول الرائدة في تبني هذه النماذج التعليمية الحديثة، مع تركيز واضح على تحسين مخرجات التعليم، وخفض معدلات البطالة عبر تأهيل كوادر قادرة على المنافسة في سوق العمل.وأكد خبراء أن قرار المملكة الاعتراف بهذه الشهادات يُعد مثالاً مشرفاً لتبني التوجهات العالمية وتحويلها إلى سياسات واقعية تخدم المجتمع والاقتصاد الوطني، لافتين إلى أن معدل الالتحاق بالبرامج التعليمية عبر الإنترنت قد سجل نمواً سنوياً بنسبة 30% منذ عام 2020، وهو مؤشر واضح على التحوّل الجذري في أنماط التعلم.وللتعليم عن بعد مميزات وعيوب ناقشها خبراء تربويون في تصريحات لـ«الوطن»، بينت أن المزايا المتحققة أعظم بكثير من تلك العيوب التي يمكن معالجتها وإيجاد حلول لها أيضاً باستخدام التكنولوجيا، ولذلك فقد كانت مملكة البحرين من الدول التي أتاحت للدارسين وخريجي الجامعات درسات عليا للعديد من التخصصات عن طريق جامعات خليجية وعربية وأجنبية تتيح شهادات ماجستير وحتى دكتوراه عن بعد، وتتميز بأنها معترف بها في المملكة.الدوسري: أدوات التعليم الأساسي تحتاج للتطورالخبير التربوي عبدالباسط الدوسري أكد أن التعليم عن بعد يعتبر إحدى ثمار التطور التكنولوجي ودخول عصر الذكاء الاصطناعي والذي بات يفرض نفسه اليوم على الكل سواء في التعليم أو المؤسسات الحكومية وجميع أنواع الشركات، لكنه استدرك قائلاً: «إن التعليم وأدواته مازالت في حاجة للتطور لتواكب هذا التسارع الكبير، وعلى الرغم من المستوى الجيد الذي وصلنا إليه في البحرين إلا أننا نحتاج لمزيد من العمل».ولفت الدوسري إلى بعض الوسائل التعليمية المستخدمة اليوم في المدارس والجامعات مثل السبورات التفاعلية بأنواعها المختلفة والأجهزة المحمولة لدى الطلبة، وإمكانية تحميل المناهج على وسائل تقنية أصبحت اليوم في متناول الجميع، إلا أن التربية بالنسبة لطلبة المراحل الابتدائية لا يمكن أن تخلو من دور المعلم، ولا يمكن تغطيتها بالوسائل التقنية، مثل المشاعر والتواصل العاطفي بين المعلم والطالب، وهي أمور ربما لا يحتاجها الدارسون في الجامعة أو الدراسات العليا.الفرص والتحديات.. والتوجه الاستراتيجي المستقبليبدوره أوضح الخبير التربوي د. أحمد العـز أن برامج الدراسات العليا عن بُعد أصبحت نموذجاً تعليمياً جاذباً للطلاب والمهنيين على حد سواء، وذلك في ظل التحوّل التكنولوجي السريع الذي يشهده العالم، وتزايد متطلبات سوق العمل الحديثة، وقال: كباحث أكاديمي وخبير في إدارة الابتكار وفض المنازعات الهندسية، أقدم في هذا التحليل مراجعة شاملة لأهم مميزات وتحديات هذا النمط التعليمي، مع التركيز على ضمان الجودة، واستعراض التوجهات المستقبلية، فضلاً عن تسليط الضوء على الخطوات المتقدمة التي اتخذتها مملكة البحرين في هذا المجال.العز: دمقرطة الوصول إلى المعرفةوحول مميزات وتحديات الدراسات العليا عن بُعد، أشار د. العز إلى أنها تمثل خياراً استراتيجياً للكثير من الباحثين عن التعليم العالي، لما توفره من مرونة زمنية ومكانية غير مسبوقة، مما يتيح لطلاب الدراسات العليا الجمع بين التزاماتهم المهنية أو الشخصية والتعليم الأكاديمي. كما أن هذه البرامج تتميز بتقليل التكاليف التشغيلية مثل تكاليف السفر والسكن، ما يجعلها أكثر شمولية ووصولاً إلى فئات أوسع.كما لفت إلى أنها أيضاً تمكّن الطلاب من الالتحاق بجامعات عالمية دون قيود جغرافية، مما يساهم في دمقرطة الوصول إلى المعرفة. ومع تطور المنصات التعليمية الرقمية، زادت فرص تقديم تجارب تعليمية تفاعلية، ما يعزز من الكفاءات الرقمية التي باتت أساسية في سوق العمل الحديث.واستدرك د. العز قائلاً: ومع ذلك، لا تخلو هذه التجربة من تحديات. إذ يُعتبر ضعف التفاعل المباشر بين الطالب والأستاذ أحد أبرز العوائق، وهو ما قد يؤثر على بناء العلاقات الأكاديمية والمهنية، فضلاً عن تقييد فرص النقاشات العميقة.كما أن الاعتماد الكبير على التكنولوجيا يتطلب بنية تحتية رقمية متينة، وهو أمر قد لا يكون متاحاً في جميع المناطق. إضافة إلى ذلك، تظل هناك مخاوف حول جودة البرامج غير المعتمدة، وكذلك بعض التحفظات من قبل أصحاب العمل تجاه الخريجين من هذه البرامج. ولضمان أن تكون برامج الدراسات العليا عن بُعد مواكبة لاحتياجات سوق العمل، شدد د. العز على أهمية أن تستند إلى مجموعة من المعايير الأكاديمية الصارمة وهي:أولاً: يجب أن تكون البرامج حاصلة على الاعتماد من هيئات دولية موثوقة مثل AACSB (جمعية الاعتماد للمدارس الكليات الإدارية) أو QAA (هيئة ضمان الجودة البريطانية)، وهي خطوة أساسية لتعزيز الثقة في الشهادات الممنوحة.ثانياً: ينبغي أن تركز المناهج الدراسية على الجانب التطبيقي، من خلال دمج مشاريع عملية أو تدريبات افتراضية بالتعاون مع مؤسسات رائدة، مما يمنح الطالب خبرة ميدانية مباشرة.ثالثاً: يتطلب الأمر تبني أنظمة تقييم صارمة مثل الامتحانات المراقبة عبر الإنترنت أو كتابة الأطروحات البحثية المكثفة، لضمان مستوى عالٍ من الكفاءة العلمية.ونوه العز إلى أن الشراكات الاستراتيجية بين الجامعات والقطاع الخاص تلعب دوراً محورياً في تصميم برامج دراسية تتوافق مع احتياجات السوق الفعلية، وتخلق فرصاً وظيفية مباشرة للخريجين، وضرب مثالاً، بجامعة إلينويز أوربانا- شيرامبوند والتي تقدم برنامج ماجستير إدارة الأعمال عن بُعد يتضمن حالات دراسية فعلية بالتعاون مع شركات عالمية، ما يضمن للطالب اكتساب خبرة عملية إلى جانب المعارف النظرية. وأكد الخبير التربوي أن البحرين تعتبر واحدة من أوائل الدول العربية التي اتخذت خطوات رائدة في مجال الاعتراف بالشهادات العلمية الممنوحة عبر برامج الدراسة عن بُعد، مشيراً إلى أن هذا القرار يُعد انعكاساً مباشراً لرؤية المملكة نحو التقنية والتحول الرقمي، ويأتي تماشياً مع «رؤية البحرين الرقمية 2030»، التي تسعى إلى تعزيز مكانة الدولة كمركز إقليمي للابتكار التكنولوجي، بما في ذلك في قطاع التعليم.وقال إنه بحسب الإحصاءات، فإن معدل الالتحاق بالبرامج التعليمية عبر الإنترنت قد سجل نمواً سنوياً بنسبة 30% منذ عام 2020، وهو مؤشر واضح على التحوّل الجذري في أنماط التعلم. ومع ذلك، فإن استمرارية نجاح هذا التوجه تتطلب وضع آليات رقابة صارمة لاعتماد المؤسسات التعليمية، فضلاً عن رفع مستوى الوعي لدى أصحاب العمل حول قيمة هذه الشهادات ومواءمتها لسوق العمل.وأضاف: بهذه الخطوة، تثبت مملكة البحرين أنها ليست فقط تتبنى التغيير، بل تقوده، مما يضعها في طليعة الدول الرائدة في المنطقة في مجال التعليم الرقمي.وشدد د. العز على أن التعليم عن بُعد ليس مجرد اتجاه عابر، بل هو تحول استراتيجي عميق سيشهد توسعاً مطرداً في السنوات القادمة، بفضل التطورات التكنولوجية المستمرة، يتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا محوريًا في تخصيص تجربة التعلم وفقًا لاحتياجات كل طالب، بينما ستتيح تقنيات الواقع الافتراضي (VR) للطلاب تجربة بيئات عمل ومحاكاة عملية، مثل المختبرات الافتراضية، مما يقلص الفجوة بين النظرية والتطبيق.ولفت إلى الاعتراف العالمي بهذه البرامج يشهد زيادة ملحوظة، حيث بدأت جامعات مرموقة مثل جامعة هارفارد وأكسفورد وكامبردج في اعتماد نماذج هجينة تجمع بين التعليم الحضوري والرقمي.ومع ذلك، فإن ضمان نجاح هذا التحول يتطلب من الحكومات والمؤسسات التعليمية وضع أطر تشريعية دقيقة لاعتماد البرامج، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لضمان مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات السوق.واختتم مؤكد أن الدراسات العليا عن بُعد تمثل فرصة حقيقية لتوسيع نطاق التعليم العالي، وجعله أكثر شمولية وسهولة الوصول، شريطة أن يتم تطبيقها ضمن معايير جودة صارمة، وضمان تحقيق التوازن بين المرونة والكفاءة الأكاديمية.وقال إن قرار مملكة البحرين بالاعتراف بهذه الشهادات يُعد مثالاً مشرفاً لتبني التوجهات العالمية وتحويلها إلى سياسات واقعية تخدم المجتمع والاقتصاد الوطني. وفي الوقت نفسه، يمثل تحدياً كبيراً يتطلب استمرارية الابتكار، والتركيز على الجودة، وتعزيز التعاون المؤسسي، ليكون التعليم عن بُعد نموذجاً يحتذى به في منطقة الخليج والعالم العربي.الذكاء الاصطناعي وتدخله في الأبحاثوقبل أيام نشرت «الوطن» رد وزير التربية والتعليم على سؤال عضو مجلس الشورى د. أنور السادة بأنها شددت على الطلبة بضرورة الالتزام بالآداب الأكاديمية في عملية إعداد البحوث، لافتة إلى أنها تتأكد من أن تلك البحوث والمشاريع من إعداد الطلبة من خلال استخدام منصة (GPT Zero) ومنصة (Plagiarism Detector)، بما يمكنها من التحقق من أن تلك البحوث لم يتم إعدادها بصورة مباشرة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وذلك باستخدام الطلبة لبرنامج السرقات العلمية أو الانتحال، وهو ما يُعرف بـ(Plagiarism)، حرصًا منها على التصدي لأي سوء استخدام تلك الوسائل في عملية إعداد الطلبة للبحوث والمشاريع وتكريس ثقافة الأمانة العلمية.وأوضحت وزارة التربية أنها تقوم بتدريب الطلبة على مفاهيم الأمانة الأكاديمية ومكافحة الانتحال والملكية الفكرية وحقوقها، وتزويدهم بإرشادات ومبادئ حول كيفية التعامل مع المصادر وتنظيم الأبحاث بطريقة علمية صحيحة، كورش حقوق الملكية الفكرية «المشاع الإبداعي» (Creative Commons) وورش الأمن السيبراني لجميع الطلبة والمعلمين.تجارب دول الخليجوفي الدول الخليجية نجد جميعها تتيح لطلبة الدراسات العليا الحصول على شهادات دولية عبر التعلم عن بُعد، ففي المملكة العربية السعودية توجد مجموعة من الجامعات المشارِكة مثل جامعة الملك سعود والتي تتعاون مع جامعات دولية مثل جامعة لندن وجامعة هارفارد لتقديم برامج ماجستير ودكتوراه في إدارة الأعمال والعلوم الإنسانية، والجامعة السعودية الإلكترونية التي تقدم برامج بالشراكة مع جامعة كاليفورنيا وجامعة ستانفورد في تخصصات مثل الأمن السيبراني وتحليل البيانات.أما في الإمارات العربية المتحدة فهناك جامعة حمدان بن محمد الذكية والتي تتعاون مع جامعة هارفارد وMIT في برامج الماجستير في الإدارة العامة والتكنولوجيا، والجامعة الأمريكية في دبي والتي تقدم برامج ماجستير بالشراكة مع جامعة بوسطن في التسويق الرقمي والتمويل.وفي قطر، تتعاون جامعة قطر مع جامعة كامبريدج في برامج ماجستير التربية والهندسة، وتقدم كلية الدراسات الإسلامية برامج بالشراكة مع جامعة أوكسفورد في الدراسات الإسلامية والقانون.وفي الكويت، تتعاون الجامعة الأمريكية مع جامعة ميشيغان في برامج ماجستير إدارة الأعمال والصحة العامة، وتقدم جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا برامج مع جامعة كاليفورنيا بيركلي في الهندسة وعلوم الحاسب.وفي سلطنة عُمان، تتعاون الجامعة الألمانية للتكنولوجيا مع جامعة برلين التقنية في برامج ماجستير الهندسة المعمارية، وتقدم جامعة السلطان قابوس برامج مع جامعة ملبورن في الإدارة العامة والتمريض.

close