في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها التعليم العالي عالميًا، أصبح موضوع الحضور الجامعي محل جدل واسع بين الأكاديميين والتربويين، هذا النقاش لم يعد مقتصرًا على الجوانب الإدارية البحتة، بل تجاوزها ليطال فلسفة التعليم الجامعي برمته. فبينما يرى فريق أن الحضور الإلزامي هو الضمانة الوحيدة لجودة التعليم، يعتبر آخرون أنه تقليد لم يعد مناسبًا لعصر التكنولوجيا والمرونة الذي نعيشه.
ينطلق أنصار المرونة في التعليم من مبدأ احترام استقلالية الطالب الجامعي كشخص بالغ قادر على تحمل مسؤولية تعلمه. فهم يشيرون إلى أن أنماط التعلم تختلف بشكل كبير بين الطلاب، فما يصلح لأحدهم قد لا يكون مناسبًا للآخر. كما يبرزون أهمية التكنولوجيا التعليمية التي توفر اليوم بدائل فعالة للتعلم الذاتي. ولا ينسون أن كثيرًا من الطلاب يعملون أثناء فترة الدراسة ليدفعوا مصاريف دراستهم، لذا يحتاجون لمواعيد دراسة مرنة.”
من جهة أخرى، يؤكد المدافعون عن أهمية الحضور الجامعي أن التفاعل المباشر بين الأستاذ والطالب يظل عنصرًا لا يمكن تعويضه رقميًا. فهم يرون في النقاشات الصفية والحوارات العفوية قيمة مضافة لا يمكن تحقيقها عبر المنصات الإلكترونية، كما يلفتون الانتباه إلى أهمية البيئة الجامعية في التنشئة الاجتماعية والتشبيك المهني، ناهيك عن التخصصات العملية التي تتطلب حضورًا إلزاميًا لضمان اكتساب المهارات المطلوبة.
في سبيل التوفيق بين هذه الرؤى، يمكن تصور نموذج متوازن يقوم على عدة مبادئ أساسية
أولًا: التمييز بين المواد النظرية والعملية في سياسات الحضور
ثانيًا: استبدال منطق الكم (عدد ساعات الحضور) بمنطق النوعية (فعالية المشاركة).