وثيقة التعليم (1من 2) – السياسة

يفترض أن يكون إصلاح التعليم وثيقة لرؤية الدولة، لأن الإصلاح ليس انقلاباً وزارياً، ولا ثورة تربوية، لكن الواقع يعبر عن حرب خفية، كلما كثر الحديث عن إصلاح التعليم!تأخر إصلاحه كثيرا، وتجمد أكثر، وتعثر لعقود مضت، في حين استمرت المعركة، أو الصراع، من دون الإعلان عن الأطراف المتصارعة، وطبيعتها، وحجم الفشل، وحقيقة التحديات، والمعوقات، والإخفاقات!نقد المنظومة التعليمية، لا يعني هدمها، وبناء مؤسسة بديلة، أو الانقلاب الوزاري على القواعد، والنظريات التعليمية التي مرت في تجارب، وتجاذبات، وتنازلات من دون تحقيق تقدم ملموس في المناهج الدراسية، والنظام التعليمي ككل!وجه وزير التربية جلال الطبطبائي “البدء الفوري في تأليف المناهج الجديدة للمواد الدراسية كافة من رياض الأطفال حتى الصف التاسع، وذلك عقب واعتماد المصفوفات التعليمية المقدمة من فرف العمل التخصصية”، لكن توجيه الوزير غابت عنه رؤية الدولة السياسية لإصلاح النظام التعليمي ككل، وليس كجزء متواضع!مهمة وزير التربية بصفته السياسية، تقديم رؤية الدولة لإصلاح التعليم، وتوثيقها بصورة دقيقة، ومكتوبة، لجعلها وثيقة معتمدة من مجلس الوزراء، من دون اجتهادات أنيقة أو مزايدات عبثية، ومساومات سياسية، لكي تتحقق الرؤية السياسية لإصلاح التعليم، بعد تحديد مكامن الخلل في النظام التعليمي. ففرق العمل المكلفة من داخل الوزارة قد تكون جزءا من المشكلة، وقد تكون مصدر المشكلة الأزلية في المناهج الدراسية، من دون -طبعا- التعميم على جميع المنتسبين للمؤسسة التعليمية.إن إصلاح التعليم يحتم معالجة جذرية لكل المعوقات، سواء على مستوى المناهج الدراسية، والإدارة المدرسية، والوزارة نفسها، لأن إصلاح التعليم مسؤولية سياسية، وتربوية، واجتماعية تستوجب المعالجة الجادة.لقد صاحبت تجارب وزارة التربية عن إصلاح التعليم؛ التصريحات النارية، والمبالغات عن المدد الزمنية للإنجاز، والاستعانة بفرق دولية، من دون تحديد فلسفة الدولة، ورؤيتها للتعليم من رياض الأطفال إلى التعليم الجامعي، وليس فقط الصف التاسع!لا يمكن “تأليف” مناهج جديدة بفترة زمنية قياسية من دون تشخيص واقعي، وعلمي، لمكامن الخلل في جميع المناهج الدراسية، ورصد الرأي الأكاديمي لمستوى مخرجات التعليم العام، لصياغة وثيقة إصلاح التعليم، كخطة سياسية إصلاحية مترابطة، وغير قابلة للتجزئة.بالتأكيد، لا يجوز “تأليف” منهج جديد للغة العربية بمعزل عن التربية الإسلامية، والتاريخ، ومواد، وأمور أخرى ذات ارتباط، وعلاقة مباشرة في التعليم، والمناهج، ومهارات التدريس، وليس التلقين؛ لذلك تصبح الوثيقة السياسية للتعليم ضرورة ملحة بهذه المرحلة بالذات.والرؤية السياسية لإصلاح التعليم، من دون شك، تحمي الأهداف الإصلاحية للدولة، التي يفترض أن تلائم كل الأجيال المقبلة، وتعالج ما فات من زمن ضائع، وحديث غير جاد عن إصلاح التعليم، وتطوير المناهج، في حين يبقى الحال على ما هو عليه! فكرة “تأليف” مناهج جديدة ممكن أن تكون فكرة يتيمة في الزمن المقبل، ما لم يبادر وزير التربية إلى تقديم وثيقة تعليم معتمدة من مجلس الوزراء، لترسيخ رؤية الدولة للتعليم، وفلسفة الإصلاح، لكي تلتزم جميع الأطراف سواء في الوزارة، والمدارس، والهيئة التعليمية، والطلبة، والمجتمع، في رؤية الدولة.ولكي نؤسس مع وزير التربية مرحلة عملية من الإصلاح ووضع القواعد المشتركة لرؤية الدولة في ظل تحديات علمية، ومتغيرات متسارعة، وتجاذبات فكرية، وثقافية، ينبغي أن يتبني وزير التربية مبادرة الاستعانة بخبرات كويتية محايدة في مجال الثقافة، والتعليم، من خارج الوزارة.ويمكن تلخيص مهمات اللجنة الخارجية في مراجعة أفكار، ومقترحات، وعمل فرق الوزارة، لكي يتم تقديم رأي علمي، ومنهجي في مدى سلامة، وواقعية عملية المراجعة الداخلية في وزارة التربية، من دون استثناء وزارة التعليم العالي، لكي تصبح لدينا رؤية مشتركة لإصلاح التعليم العام، والتعليم العالي أيضاً.لا شك، أن تقييم فرق عمل الوزارة ورؤيتها على أسس علمية، ومنهجية ستكون مفيدة عملياً، وعلمياً لوزيري التربية، والتعليم العالي، ومجلس الوزراء أيضاً، فمن الخطأ تجزئة الإصلاح، وعزل التعليم العالي عن الرؤية السياسية لإصلاح النظام التعليمي، وفصل مراحل التأسيس التربوي، والاجتماعي، والثقافي، عن وثيقة التعليم.*  *  *الجزء الثاني يوم الاثنين المقبل.KAltarrah@

close