مستقبل قوة العمل في دبي: أهمية دور التعليم في المرحلةُ المقبلة

دبي مدينة تتطلع إلى المستقبل دوماً؛ ومن يتأمل أفقها وطموحاتها وتطلعاتها وسكانها، يتيقن من ذلك الاستعداد الواثق لتبني كل جديد واحتضانه ورعايته. لذلك، أصدرت دائرة الاقتصاد والسياحة وهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي النسخة الجديدة من تقرير “وظائف المستقبل” في الوقت المناسب كي نتذكر أن سوق العمل يشهد متغيرات متسارعة.

يناقش التقرير، الذي يستمد العديد من الرؤى والتحليلات من استبيان خاص تم إجراؤه حول مستقبل الوظائف في دبي بمشاركة آلاف الطلبة والمعلمين، دور التوجهات العالمية، مثل التقنية والأتمتة والاستدامة، في إعادة رسم ملامح سوق العمل. ولقد ذكر تقرير “مستقبل الوظائف ٢٠٢٥” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن 41% من المهارات الأساسية لدى الموظفين في دولة الإمارات ستتغير. ومع أن هذا التحول ظاهرة عالمية لا تقتصر على دولة الإمارات، فمن شأن استجابة دبي أن تحدد إيقاع سوق العمل في المنطقة بأسرها.

ماذا يعني ذلك لشبابنا ولمن هم بالفعل في سوق العمل؟ يعني ببساطة أن المهارات اللازمة لتحقيق النجاح المهني تتطور باستمرار. فيتزايد عدد الوظائف ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات والطاقة الخضراء، فيما تتراجع الوظائف الروتينية والإدارية. والتحدي هنا واضح؛ أي يستدعي أن تواكب منظومة التعليم هذا الإيقاع المتسارع، وأن تتماشى برامج التعليم مع توجهات القطاعات الناشئة واحتياجاتها.

يحدد تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي ثلاث مهارات ستصبح عما قريب متطلباً رئيسياً لدى أصحاب العمل؛ هي التفكير الناقد، ومرونة التعامل مع الأزمات، وكفاءة الرشاقة التنظيمية، ثم تأتي بعدها مهارتي القيادة والتأثير الاجتماعي. وباتت شخصية الطالب وما هو مؤهل لأن يصبح عليه أهم من مجرد استيفاء الطالب لقائمة من البرامج التعليمية التقليدية.

إنني لا أدعو بطرحي هذا إلى تغيير تدريجي متواصل، بل إلى إعادة تفكير جذري في كيفية إعداد الأفراد للمستقبل. وسوف يكون للدراسات متعددة الاختصاصات، التي تجمع بين التقنية وعلوم المال والأعمال والعلوم الإنسانية، دوراً حاسماً. وعلينا تجاوز نموذج التعليم الصفي التقليدي، وضمان تزويد الطلاب بمهارات التكيف والإبداع والتفكير الناقد.

إن لمهارات القيادة والتركيز على البعد الإنساني القدر نفسه من الأهمية. فمع تولّي الآلات مزيداً من المهام الروتينية، تزداد قيمة السمات البشرية الفريدة مثل الذكاء العاطفي والحُكم الأخلاقي والقدرة على القيادة في ظل التعقيدات والأزمات. وهنا تتجلى أهمية إعداد قادة قادرين على إدارة التغيير بتعاطف ورؤية سديدة وحكمة؛ فكثيراً ما ينشغل القادة بالتصدي لتحديات الحاضر ويغفلون عن فرص المستقبل، التي لا بد أن يغتنمها قادة وأصحاب رؤية تتجاوز حدود اليوم إلى آفاق الغد.

إننا نعايش في الحرم الجامعي الجديد لمعهد الإدارة الهندي أحمد آباد في دبي هذا التحول عن قرب. ونسهم في بناء القادة وإعدادهم عبر مفهوم تعزيز عناصر المعرفة، والقدرات، والمهارات، والعادات لديهم. وتتمثل رسالتنا في تمكين كل طالب من أن يكون مفكراً ناقداً يتمتع بمرونة التعامل الكفؤ مع الأزمات والقدرة على التكيف والالتزام بمبدأ التعلم مدى الحياة.

نؤمن في المعهد بأهمية العمل جنباً إلى جنب مع الشركاء لجسْر الفجوة بين مخرجات التعليم التقليدي واحتياجات سوق العمل، مع الاستفادة من الخبرات العالمية في إطار سياق دبي الخاص. وتؤدي المؤسسات الأكاديمية الدولية مثل معهدنا دوراً محورياً في نقل المعرفة، وتعزيز الابتكار، وربط المواهب في دبي بشبكات المواهب العالمية.

غير أن التعليم لا يمكن أن يتطور على النحو المنشود بمعزلٍ عن الأطراف الأخرى؛ إذ يتعين على المؤسسات والشركات وصنّاع السياسات وخبراء التربية ومؤسسات المجتمع المدني التكاتف لوضع مناهج التعليم المناسبة، وإتاحة فرص التعلم التطبيقي، وضمان توفر برامج صقل المهارات والارتقاء بها طوال المسار المهني للفرد.

يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله“: “في داخل كل إنسان محيط عظيم من الإنجازات ينتظر أن يندفع”. فتقع على عاتقنا، نحن التربويين والقادة وأفراد المجتمع، مسؤولية إطلاق ذلك المحيط من الإمكانات الكامنة في كل فرد.

تتجه أنظار العالم إلى كيفية استجابة دبي لهذا التحدي. وإنني على ثقة، بفضل ما أجده من رؤية واضحة، وتعاون حاسم، والتزام لا يلين بالتعلم مدى الحياة، من أن دبي لن تكتفي بمواكبة متطلبات مستقبل العمل، بل ستحدد معاييره الجديدة على مستوى المنطقة وأنحاء العالم. فالخيارات التي نتخذها اليوم في مسارات التعليم والقيادة هي الفيصل بين تأكيد قدرتنا على اغتنام هذه اللحظة السانحة وبث الشك في إمكانية ذلك. فلقد حان بالفعل وقت العمل بكل عزيمة وطموح.

للاطلاع على  أحدث الأخبار  و أخبار  الشركات من السعودية والإمارات ودول الخليج تابعنا عبر تويتر  و  لينكد إن وسجل اعجابك على فيسبوك واشترك بقناتنا على يوتيوب  والتي يتم تحديثها يوميا

close