ترمب يضغط لإحكام قبضته على التعليم العالي… وهارفرد تختار المواجهة

باشر الرئيس الأميركي دونالد ترمب عملية ضغط على الموارد المالية للجامعات والكليات، وُضِعت في سياق معركته المتواصلة مع جامعات النخبة، عبر التوقيع على قرارات تنفيذية تعكس سعياً إلى إحكام قبضة الحكومة الفيدرالية على مؤسسات التعليم العالي في كل أنحاء الولايات المتحدة.
ووقع الرئيس ترمب على سبعة قرارات تنفيذية متعلقة بالتعليم، الأربعاء، تهدف إلى التأثير على طيف واسع من المواضيع، بدءاً من الانضباط واستخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس، ووصولاً إلى التبرعات الأجنبية والاعتماد الأكاديمي في الكليات والجامعات، بالإضافة إلى تغيير التوجه الآيديولوجي لنظام التعليم العالي، الذي يعدّه معادياً للمحافظين، في وقت كثفت إدارته حملتها على الجامعات الكبرى، بما فيها هارفرد وكولومبيا وبنسلفانيا خلال الأسابيع الأخيرة، تارة بقطع المنح الفيدرالية عنها، وطوراً بمطالبتها بتغييرات جوهرية في ممارسات التوظيف والقبول والمناهج الدراسية. واختارت جامعة هارفرد الرد برفض مطالب ترمب، مما أشعل معركة – بما في ذلك عبر القضاء – بمليارات الدولارات من أجل حماية الحريات الأكاديمية.

التمييز غير القانوني

مشهد عام لحرم جامعة هارفرد عند نهر «تشارلز ريفر» في كامبريدج بماساتشوستس (أ.ب)
ويرمي أحد القرارات السبعة إلى ضبط عملية الحكومة الفيدرالية لتحديد الكليات والجامعات التي يمكنها الحصول على مليارات الدولارات من القروض والمنح الفيدرالية، وهي مصدر مهم للإيرادات غير المباشرة للعديد من تلك المؤسسات. ويطلب من وزيرة التعليم ليندا مكماهون «محاسبة جهات اعتماد التعليم العالي، بما في ذلك من خلال الرفض أو المراقبة أو التعليق أو الإنهاء بسبب ضعف الأداء أو انتهاكات قانون الحقوق المدنية الفيدرالي»، وفقاً لتصريحات أحد مسؤولي البيت الأبيض، الذي أضاف أن القرار يوجه أيضاً وزيرة العدل بام بوندي «للتحقيق في التمييز غير القانوني الذي تمارسه مؤسسات التعليم العالي الأميركية، بما في ذلك كليات الحقوق وكليات الطب، وإنهائه». وكشف عن أن مجلس السياسة الداخلية في البيت الأبيض قاد هذا الإجراء، في إطار الجهود المستمرة التي يبذلها نائب كبيرة الموظفين ستيفن ميلر وآخرون لدفع أجندة الرئيس ترمب في شأن التعليم العالي.
وجاء ذلك بعد أسبوع من إعلان إدارة ترمب تجميداً شاملاً لتمويل جامعة هارفارد بقيمة 2.2 مليار دولار، مما أثار صراعاً كبيراً حول الحرية الأكاديمية والتمويل الفيدرالي والرقابة على الحرم الجامعي. ويُعد الحصول على درجة النجاح من هيئات الاعتماد، التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من قرن، أمراً بالغ الأهمية لحصول الجامعات على نحو 120 مليار دولار من المساعدات المالية الفيدرالية سنوياً. لكن ترمب لام هذه الهيئات لترويجها سياسات التنوع والمساواة والشمول التي تسعى إدارته إلى القضاء عليها.
صوّرت إدارة ترمب حملتها ضد المؤسسات النخبوية على أنها معركة ضد معاداة السامية، إلى جانب جهودها لاجتثاث مبادرات التنوع. وعدّ النقاد هذه الحملة محاولة لفرض أجندة ترمب السياسية على مدارس البلاد وجامعاتها.
وخلال حملته الرئاسية الأخيرة، لم يتحدث ترمب كثيراً عن هيئات الاعتماد، التي لطالما كانت هدفاً للجمهوريين المحافظين. ولكن عندما فعل، خصص لها بعضاً من أشد هجماته اللاذعة. في فيديو سياسي نشره صيف 2023، تعهد فيه باستهداف «هيئات الاعتماد اليسارية المتطرفة التي سمحت لجامعاتنا بأن تصير تحت سيطرة المجانين والمهووسين الماركسيين».

تقويض الاستقلالية

محتجون في نيويورك على التدخلات في جامعة كولومبيا بنيويورك (إ.ب.أ)
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن الزميل البارز في مؤسسة «سانشيري» البحثية الليبرالية بوب شيرمان أن قرار ترمب من شأنه أن يُقوّض استقلال المؤسسات الذي «ساعد جامعاتنا على أن تصير الأفضل في العالم»، مضيفاً أنه «لطالما ابتعدت الحكومة الفيدرالية عن أي تدخل في مناهج الجامعات أو التوظيف، والقانون الحالي يحظر هذا النوع من التدخل في الشؤون الأكاديمية». ورأى أن القرار التنفيذي من ترمب «يتجاوز هذا الحد».
وعدّت الوزيرة مكماهون أن نظام الاعتماد الحالي يُساهم في ارتفاع تكاليف الدراسة و«يدفع الجامعات نحو اتجاهات آيديولوجية». وقالت إن وزارتها «ستُنشئ سوقاً تنافسية لجهات اعتماد التعليم العالي، مما سيمنح الكليات والجامعات حوافز ودعماً للتركيز على خفض تكاليف الدراسة الجامعية، وتشجيع الابتكار، وتقديم تعليم عالي الجودة بعد المرحلة الثانوية».
وشملت القرارات التنفيذية الجديدة تشجيع استخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس، وتعزيز شراكات القطاع الخاص مع الكليات والجامعات التي عُرفت تاريخياً بالسود، وزيادة عدد برامج التدريب المهني في وظائف الحرف الماهرة. وركز آخر على جعل إخفاء الجامعات لتفاصيل التمويل الأجنبي أكثر صعوبة. بينما يشدد آخران على انضباط الطلاب، الذي كان نقطة خلاف سياسية على مدار العقد الماضي.
ويمكن أن تُساعد أساليب التأديب الحازمة، مثل التوقيف عن الدراسة، المعلمين على إدارة الفصول الدراسية من خلال فصل الطلاب المشاغبين. لكنها يمكن أن تُلحق الضرر أيضاً بالطلاب الذين يُعانون أصلاً بسبب إجبارهم على تفويت دروسٍ مهمة. ولطالما تعرّض الطلاب السود لتأديبٍ أشد من الطلاب البيض، وهي قضية كانت حاسمة بالنسبة لناشطي التعليم التقدمي وحركة «حياة السود مهمة».
في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، أُبلغت المناطق التعليمية بأنه إذا تعرضت مجموعات معينة من الطلاب لتأديب أكثر من مجموعات أخرى، يمكن عدّ ذلك انتهاكاً لقانون الحقوق المدنية الفيدرالي. وألغى ترمب هذا القرار خلال ولايته الأولى، ولكن أُعيد العمل به في عهد الرئيس السابق جو بايدن.

close