هؤلاء يحاربون وزير التعليم

لا جدال أن منظومة التعليم فى مصر شهدت تخريبًا متعمدًا طيلة عدة عقود زمنية. وفى خضم سعى الحكومة لإصلاح وتطوير منظومة التعليم، برزت مؤخرًا حالة من الجدل والانتقادات الموجهة إلى السيد محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم، وتتخذ أشكالًا متعددة وتصدر عن جهات ذات مصالح مباشرة فى القطاع التعليمى، وعلى رأسها أصحاب مراكز الدروس الخصوصية المعروفة بـ«السناتر» وناشرو الكتب الخارجية.ويحدث ذلك بالتوازى مع التركيز المتزايد من الوزير على ضرورة عودة الانضباط إلى المدارس الحكومية. هذه الحملة التى تبدو فى ظاهرها نقدًا للأداء، تحمل فى طياتها دوافع اقتصادية وتجارية خبيثة، حيث تمثل الإجراءات التى يتخذها الوزير تهديدًا مباشرًا لمصالح هذه الفئات التى اعتادت تحقيق أرباح طائلة من خلال اعتماد الطلاب وأولياء الأمور على الدروس الخصوصية والمصادر التعليمية الخارجية. لقد ترسخت على مدار سنوات طويلة منظومة موازية للتعليم الرسمى، قوامها هذه السناتر والكتب الخارجية، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الطالب المصرى، بل فى كثير من الأحيان، تفوقت فى تأثيرها على الدور الأساسى للمدرسة والمعلم داخل الفصل. هذه المنظومة ازدهرت فى ظل ضعف الأداء التعليمى فى المدارس، وتراجع دور المعلم، وثقافة مجتمعية ترى فى الدروس الخصوصية والكتب الخارجية ضمانًا لتحقيق التفوق الأكاديمى، بغض النظر عن جودة التعليم المقدم داخل أسوار المدرسة.إن الإجراءات التى يتخذها محمد عبداللطيف تهدف بشكل أساسى إلى استعادة المدرسة دورها الأساسى فى العملية التعليمية، وتقليل الاعتماد المفرط على المصادر الخارجية التى تستنزف جيوب الأسر المصرية وتضعف من قيمة التعليم. من بين هذه الإجراءات محاولات تفعيل دور المعلم، وتدريبه بشكل مستمر لرفع كفاءته وقدرته على تقديم محتوى تعليمى جاذب وشامل داخل الفصل، وتطوير المناهج الدراسية لتكون أكثر تفاعلية وتواكب التطورات الحديثة فى طرق التدريس والتقييم، بالإضافة إلى محاربة ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات التى تقوض مبدأ تكافؤ الفرص. هذه الجهود باتت تمثل تهديدًا حقيقيًا ومباشرًا لمصالح أصحاب السناتر.كما أن ناشرى الكتب الخارجية يخشون من أن يؤدى تحسين جودة التعليم المدرسى وتوفير مصادر تعليمية كافية ومتنوعة داخل المدرسة إلى تقليل الإقبال على كتبهم، التى غالبًا ما تكون باهظة الثمن وتعتمد على تكرار المعلومات الموجودة فى الكتب المدرسية الرسمية، مع إضافة بعض التدريبات والأسئلة التى قد لا ترقى دائمًا إلى المستوى المطلوب.ولذلك ليس من المستغرب أن نرى حملة ممنهجة تستهدف شخص وزير التربية والتعليم وسياساته، وتحاول تشويه صورته وإظهار قراراته على أنها غير مدروسة أو أنها تضر بمصلحة الطلاب وأولياء الأمور. هذه الحملة تتخذ أشكالًا مختلفة، تبدأ من نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعى، وتنتهى إلى تنظيم حملات مناهضة للوزير وسياساته، وربما حتى التحريض على اتخاذ إجراءات قانونية ضده. الهدف الأساسى من وراء هذه الحملة هو الضغط على الوزير للتراجع عن قراراته الإصلاحية التى تهدد مصالحهم التجارية، أو على الأقل، إبطاء وتيرة هذه الإصلاحات وإفراغها من محتواها الفعال. إن أصحاب السناتر والكتب الخارجية يمتلكون نفوذًا لا يُستهان به داخل المجتمع، وهم قادرون على حشد الرأى العام ضد أى محاولة جادة لتقنين أوضاعهم أو الحد من أرباحهم.فى المقابل، يرى وزير التربية والتعليم أن هذه الإجراءات ضرورية لإعادة هيكلة المنظومة التعليمية فى مصر، ووضع حد للفوضى التى تسببت فيها هذه المنظومة الموازية. هو يؤكد أن الهدف الأساسى هو توفير تعليم جيد ومجانى لجميع الطلاب المصريين داخل المدارس الحكومية، وتمكين المعلمين من القيام بدورهم على أكمل وجه، وتخفيف العبء المالى عن كاهل الأسر المصرية التى تضطر إلى إنفاق مبالغ طائلة على الدروس الخصوصية والكتب الخارجية. كما يرى الوزير أن عودة الانضباط إلى المدارس هو جزء لا يتجزأ من هذه العملية الإصلاحية، حيث لا يمكن تحقيق تعليم جيد فى بيئة تسودها الفوضى وعدم الالتزام بالقواعد. فالانضباط لا يعنى فقط الالتزام بالزى المدرسى والحضور فى المواعيد المحددة، بل يشمل أيضًا احترام المعلمين والزملاء، والجدية فى الدراسة، والالتزام بقيم وأخلاقيات المجتمع. إن غياب الانضباط فى المدارس يؤدى إلى تدهور العملية التعليمية، ويخلق بيئة غير مواتية للتعلم، ويشجع الطلاب على البحث عن بدائل خارج المدرسة، مثل السناتر.إن ربط الهجوم على وزير التربية والتعليم بملف عودة الانضباط إلى المدارس هو جزء من حملة أصحاب المصالح لتشويه صورة الوزير، حيث يحاولون تصوير جهوده لفرض الانضباط على أنها قمعية أو غير ضرورية، أو أنها تأتى على حساب جودة التعليم. فى الواقع لا يمكن فصل جودة التعليم عن الانضباط، فكلاهما وجهان لعملة واحدة. المدرسة المنضبطة هى بيئة أكثر أمانًا وتنظيمًا، ما يسمح للطلاب بالتركيز على دراستهم والاستفادة القصوى من وقتهم داخل الفصل. كما أن المعلمين فى بيئة منضبطة يكونون قادرين على أداء مهامهم بشكل أفضل وتقديم محتوى تعليمى فعال.إن التحدى الذى يواجهه وزير التربية والتعليم كبير، حيث يواجه مقاومة شرسة من قوى مستفيدة من الوضع القائم. ولا بد من تغيير ثقافة المجتمع التى ترسخت على مدار عقود. والنجاح فى هذه المهمة يتطلب إصرارًا وعزيمة، وشفافية فى القرارات والإجراءات.كما أن الهدف النهائى هو بناء نظام تعليمى قوى وعادل ومستدام، يلبى احتياجات الطلاب ويسهم فى بناء مستقبل أفضل لمصر، وهذا الهدف يستحق كل التضحيات والجهود، حتى لو واجه مقاومة من أصحاب المصالح الضيقة.

close