ا.د رضا حجازي يكتب.. بناء إنسان  لعالم متغير..وأنسنة التعليم

شهدت أنظمة التعليم تطورًا مستمرًا عبر التاريخ، بدءًا من التعليم التقليدي القائم على التلقين، وصولًا إلى التعليم الرقمي الذي يعتمد على التكنولوجيا. وفي هذا السياق، ظهر مفهوم التعليم 5.0 ليعيد صياغة أهداف العملية التعليمية، بحيث لا تقتصر على إعداد الأفراد لسوق العمل فقط، بل تمتد لبناء إنسان قادر على الإبداع، والتعاطف، والمساهمة في حل مشكلات العالم المعقدة.
في هذا المقال، نستعرض مفهوم التعليم 5.0، وسماته الأساسية، وكيف يختلف عن النماذج السابقة، ولماذا يمثل ضرورة حتمية لمستقبل البشرية.

ما هو التعليم 5.0؟

التعليم 5.0 هو نموذج تعليمي حديث يركز على التنمية الشاملة للإنسان من خلال دمج التكنولوجيا مع الأخلاقيات، والاستدامة، والتعاطف، والإبداع، والتفكير النقدي.
ويهدف هذا النموذج إلى إعداد الأفراد ليس فقط للحصول على وظائف، بل لبناء حياة ذات مغزى، وللقيام بدور فاعل في المجتمع ومواجهة تحديات عالمية متغيرة.
بعكس النماذج السابقة التي كانت تركز على المعرفة أو المهارات التقنية فقط، يدعو التعليم 5.0 إلى التعلم بالعقل والقلب واليد معًا، بحيث يصبح الإنسان محور العملية التعليمية.

 

أنسنة التعليم هي قلب التعليم 5.0، وتعني:​

الاعتراف بكرامة كل متعلم وظروفه الشخصيةوالاجتماعية.ومراعاة الصحة النفسية والعاطفية

داخل بيئات التعلم.و تعليم يركز على القيم، الثقافة،والتعددية.ودمج الفنون، الفلسفة، 

والتأمل مع العلوموالتكنولوجيا.واستخدام التكنولوجيا كوسيط وليسكبديل للعلاقات.

السمات الرئيسية للتعليم 5.0

تميز التعليم 5.0 بعدد من الخصائص الجوهرية التي تجعله مختلفًا وجوهريًا عن الأنماط السابقة:

– التركيز على الإنسان: يجعل من التنمية الشخصية والذكاءالعاطفي والأخلاقيات مركز العملية 

التعليمية.
– دمج التكنولوجيا بشكل إنساني: يستخدم الذكاءالاصطناعي والتقنيات الحديثة كأدوات داعمة للإنسان، وليس لاستبداله.
– تعزيز القيم والتعاطف: يشجع على التعاون، والرحمة،والمسؤولية الاجتماعية- .
الاستدامة: يهيئ الطلاب ليصبحوا جزءًا من الحلول لمشكلات مثل تغير المناخ وعدم المساواة والأزمات الصحية.
– الإبداع والابتكار: يدعم التفكير الإبداعي وريادة الأعمال وحل المشكلات بطرق مبتكرة.    

-التعلم مدى الحياة: يشجع على التعليم المستمر بما يتلاءم معتطورات العصر ومتغيرات المستقبل.

مقارنة بين التعليم 5.0 والنماذج التعليمية السابقة

لفهم أهمية التعليم 5.0، يجدر بنا استعراض التطور التاريخيللنماذج التعليمية:

التعليم 1.0: معلم في مركز العملية التعليمية، يعتمد على التلقين والحفظ
التعليم 2.0: تعزيز التفاعل الجماعي والتعلم التعاوني ودمج التكنولوجيا 
التعليم 3.0: تركيز على الطالب كمنتج للمعرفة
التعليم 4.0: إعداد الطلاب لسوق العمل الرقمي ومهارات الابتكار والابداع
التعليم 5.0: تطوير الإنسان من جميع الجوانب، وجعل القيم والأخلاقيات جزءًا من استخدام التكنولوجيا

لماذا التعليم 5.0 مهم اليوم؟

في ظل التغيرات المتسارعة التي يعيشها العالم من تغير مناخي، وأزمات صحية، وتطورات تكنولوجية مذهلة، لم يعد كافيًا إعداد الطلاب لوظائف تقليدية.
نحن بحاجة إلى تعليم ينتج مواطنين عالميين يتمتعون بالمرونة والابتكار وروح المسؤولية الأخلاقية.
فالتكنولوجيا بدون قيم قد تتحول إلى قوة مدمرة، وهنا تأتي أهمية التعليم 5.0 في ضمان أن تكون التكنولوجيا في خدمةالإنسان، وليس العكس. كما أن التركيز على التعلم مدى الحياة أصبح ضروريًا في عالم تتغير معارفه ومتطلباته باستمرار.

خاتمة

يشكل التعليم 5.0 رؤية مستقبلية طموحة تسعى إلى تحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على القيم الإنسانية.
إنه دعوة لإعادة التفكير في أهداف التعليم ودوره في صناعة المستقبل، بحيث نصنع جيلًا قادرًا على مواجهة تحديات العالم بروح الابتكار، والمسؤولية، والتعاطف.
في نهاية المطاف، فإن الاستثمار في التعليم 5.0 ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان مستقبل أفضل للإنسانية جمعاء.

الأستاذ الدكتور/ رضا حجازي 

وزير التربية والتعليم السابق 

رئيس جامعة الريادة 

 

close