ازدهر فنُّ الدراما في العقود الأخيرة، ازدهارًا كبيرًا، من خلال المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية التي تُقدم على مدار العام، في ظل تراجع الدراما المسرحية تراجعًا ملحوظًا، والمتنفس الوحيد للعروض المسرحية في مصر الآن هو المهرجانات والمسابقات التي تقيمها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعروض المسرح التجريبي. أضفْ إلى ذلك تراجع الإنتاج السينمائي أيضًا إلى عدد محدود من الأفلام التي لم يحقق معظمها النجاحات الجماهيرية العريضة التي كانت تحققها السينما في الستينيات وحتى بداية الألفية الجديدة، وكان ذلك سببًا من أسباب تحويل معظم دور العروض السينمائية والمسرحية إلى صالات أفراح ومقاهٍ أو أنشطة تجارية أخرى.
إذن تبقى المسلسلات التلفزيونية التي تدخل كل بيت من خلال العشرات، بل المئات من القنوات الفضائية المصرية والعربية والأجنبية، وخاصة خلال شهر رمضان المبارك الذي تجاوز فيه عدد المسلسلات الأربعين مسلسلا مصريًّا. وبعض المسلسلات الإذاعية التي تعد على الأصابع والتي تحاول إثبات وجودها وتعزيز كيانها من خلال المحطات الإذاعية المختلفة. ومن الطبيعي أن لا يسمح الوقت أو عدد ساعات اليوم لمشاهدة أو الاستماع إلى كل هذه المسلسلات، لذا سرعان ما يُعاد عرض بعضها بعد انقضاء الشهر الكريم وأيام العيد.
وإذا عقدنا مقارنة بين المسلسلات في الأعوام الأخيرة، ومسلسلات رمضان في السبعينيات وحتى بداية الألفية الجديدة، لرأينا أن معظم أفراد الأسرة المصرية كانوا يتحلَّقون حول عدد معين من المسلسلات يراها الجميع، فلم تكن ظاهرة القنوات الفضائية وأطباق البث التلفزيوني (أطباق الدش أو الستالايت) قد انتشرت بعد، على العكس مما هو موجود الآن. فضلا عن أن إنتاج هذه المسلسلات كان يخضع لإشراف الدولة من خلال قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتلفزيون الذي ظل مسيطرًا لسنوات طويلة على الإنتاج الدرامي والفني في مصر والعالم العربى، منذ تأسيسه عام 1985 فأحدث طفرةً كبيرة في إنتاج الأعمال الدرامية المرئية من مسلسلات وأفلام روائية وتسجيلية ورسوم متحركة.
فشاهدنا أعمالا اجتماعية وسياسية رائعة مثل: “الشهد والدموع”، و”ليالي الحلمية”، و”المال والبنون”، و”ضمير أبلة حكمت”، و”نصف ربيع الآخر”، و”عائلة الحاج متولي”، و”أرابيسك”، و”زيزينيا” وغيرها، ومسلسلات مخابراتية ناجحة مثل “رأفت الهجان”، و”دموع فى عيون وقحة” و”الحفَّار”، ومسلسلات تاريخية ودينية متميزة مثل “عمر بن عبدالعزيز” و”الزيني بركات”، و”بوابة الحلواني” وغيرها، هذا إلى جانب إنتاج برامج الفوازير، وحلقات ألف ليلة وليلة، وإنتاج الرسوم المتحركة أو الكارتون والعرائس للأطفال مثل “بكَّار” و”بوجي وطمطم”، و”عمو فؤاد”، و”جدو عبده”، إلى جانب الأعمال البطولية الملحمية مثل “الطريق إلى إيلات” وغيرها.
ولا أريد أن ينصبَّ حديثي على المسلسلات والبرامج التلفزيونية، وإنما كان هناك إنتاجٌ دراميُّ وإذاعيٌّ متميز جدا، وناجح جدا، وحتى لا يتشعب بنا الحديث سوف أركز على برنامج واحد فقط هو “كتابٌ عربيٌّ علَّم العالم” الذي وصلت عدد حلقاته إلى 3000 حلقة يومية، وأُذيع في أكثر من 20 دولة عربية، وحصد الكثيرَ من الجوائز – على مستوى إذاعات الوطن العربي – على مدى سنوات بثِّه بالبرنامج العام في مصر منذ يناير 1989 وحتى تم إيقاف إنتاجه لأسباب غير معروفة، وما يُذاع منه الآن في بعض الأحيان، هو إعادة لحلقات سابقة. فلا يوجد إنتاج جديد له، رغم أن المؤلف وهو الشاعر د.فوزي خضر لديه مئات الحلقات الجديدة التي لم تخرج للنور بعد، بل لديه “إسكريبتات” لبرامج إذاعية أخرى ذات فائدة ثقافية ودرامية عظمى. يعد برنامج “كتاب عربي علَّم العالم” – الذي أخرجه مدحت زكي، وقام بدور الراوي فيه الإعلامي أمين بسيوني – هـو أطـول برنامج ثقافي درامي مصري، قدمته الإذاعة المصرية منذ إنشائها عام 1934 وحتى الآن، وأصبح من تراث الإذاعة المصرية، ويدرس في عدد من كليات الإعلام في مصر وخارجها.
وللمؤلف أيضا أعمال إذاعية أخرى ثبت نجاحها الكبير مثل “شمس الإسلام تشرق في البلاد” (480 حلقة) ومسلسل “القدس” الذي أذيع في الدول العربية جميعها عام 2001 وغيرها. ونعود إلى “كتاب عربي علَّم العالم” لنجده قد شدَّ انتباه كبار الأدباء والكتاب والمثقفين، كما شدَّ انتباه الرجل العادي غير المثقف وغير الأديب وغير الكاتب، لأنه ضمّ في صفه نجومًا كبارًا قاموا بأداء أدوار العلماء العرب والمسلمين الذين تتحدث عنهم الحلقات الدرامية لهذا البرنامج من أمثال: محمود مرسي وأحمد مظهر ومحمود ياسين وعبدالله غيث وحمدي غيث وجلال الشرقاوي وعمر الحريري وأشرف عبدالغفور وأحمد مرعي وأحمد ماهر وإسلام فارس ومحمود الحديني وسعد أردش وحسن عابدين وياسر علي ماهر ومديحة حمدي وليلى طاهر وفاطمة مظهر وسميرة عبدالعزيز وكريمة مختار وعايدة كامل ونادية رشاد وغيرهم.