“المعلم الفلسطينى.. بجيوب فارغة”.. أزمة الرواتب تهدد مستقبل التعليم فى فلسطين.. عشرات الآلاف يعانون من عدم انتظام رواتبهم منذ سنوات.. ودراسة: 65% من الإيرادات رهينة سياسة حجز الضرائب الإسرائيلية

◄ انخفاض الدعم الدولي من 1.6 مليار إلى 600 مليون دولار في 8 سنوات أبرز الأسباب

◄ معلم: “فقدت شغفي بالعمل وقلبى مع أسرتي الجائعة” 

◄ مُعلمة:” لا أحتاج فقط لراتبى.. بل لمن يسمعني ويحتوينى نفسيا”


 

“فقدت شغفي بالتعليم.. وقلبى مع أسرتى الجائعة”.. “أصبحت أكثر عصبية مع طلابي لأن ذهني مشغول بالفواتير غير المدفوعة”..”كيف أركز على تحسين المدرسة وأنا قلق بشأن إطعام أسرتي؟”.. “أنا لا أحتاج فقط إلى راتبي، بل أحتاج إلى من يسمعني ويحتويني نفسيا” هذه ليست مشاهد من فيلم درامي، بل صرخات حقيقية أطلقها معلمون فلسطينيون يكافحون يوميا بين واجب حماية مستقبل الأجيال وبين معركتهم الشخصية للبقاء في ظل رواتب متأخرة ومتقطعة.

كشفت دراسة حديثة صادرة عن الاتحاد الدولي للتعليم، نهاية إبريل 2025، بعنوان “تعويضات المعلمين في سياقات الأزمات: التحديات في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، تفاصيل الأزمة المالية الخانقة التي تواجه قطاع التعليم الفلسطيني، حيث يعاني عشرات الآلاف من المعلمين من عدم انتظام صرف رواتبهم منذ سنوات، في وقت تتفاقم فيه التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها السلطة الفلسطينية.وفقا للدراسة، تعود جذور هذه الأزمة إلى سياسة إسرائيل المستمرة منذ ما يقارب 30 عاما بحجز أموال المقاصة الفلسطينية – وهي الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، تشكل هذه الأموال حوالي 65% من دخل السلطة الفلسطينية، وفقا لتقرير البنك الدولي لعام 2021، مما يجعل الاقتصاد الفلسطيني رهينا للقرارات الإسرائيلية.وقد أكد أحد صناع القرار المشاركين فى الدراسة أن “الاحتلال يحتجز أموال المقاصة منذ عام 1997 وحتى اليوم بهدف إذلال الشعب الفلسطيني وإجباره على الانصياع للقرارات الصهيونية، وهذا ما تؤكده أيضاً تقارير الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية التي اعتبرت استخدام إسرائيل لأموال المقاصة كأداة ضغط سياسي شكلا من أشكال العقاب الجماعي، وانتهاكا صريحا للقانون الدولي الإنساني واتفاق باريس الاقتصادي لعام 1994.وتفاقمت الأزمة مع الانخفاض الحاد في المساعدات الخارجية للسلطة الفلسطينية، التي تراجعت من 1.6 مليار دولار في عام 2013 إلى 600 مليون دولار فقط في عام 2021، وفقا لصندوق النقد الدولي، ويقول أحد المشاركين في الدراسة إن “الاقتصاد الفلسطيني بات يعتمد بشدة على المساعدات الأجنبية لتقديم الخدمات الأساسية لنصف السكان، ولضمان استمرارية عمل السلطة الفلسطينية”.وفي الوقت ذاته، شهد قطاع التعليم تزايدا ملحوظا في أعداد المعلمين لتلبية احتياجات النمو السكاني المرتفع الذي يبلغ 2.5% سنويا، حيث ارتفع عدد المعلمين من 35,000 في عام 2000 إلى 62,000 معلم في عام 2023، لكن لم يصاحب هذه الزيادة نمو مماثل في الإيرادات العامة، مما خلق فجوة متزايدة بين احتياجات القطاع والموارد المالية المتاحة.وتتضاعف تداعيات الأزمة بفعل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية وعلى الموارد الطبيعية والإيرادات الضريبية المحتملة، كما أدت المستوطنات الإسرائيلية إلى السيطرة على 40% من الأراضي الزراعية، وفقا لتقارير منظمة بتسيلم الإسرائيلية، مما يزيد من العبء المالي على السلطة الفلسطينية.أظهرت الدراسة أن تأخر الرواتب يترك آثارا سلبية عميقة على جودة التعليم، حيث أثبتت النتائج أن 62% من المعلمين أفادوا بأن أداءهم تأثر بشكل مباشر بتأخر الرواتب، بينما أشار أكثر من نصفهم إلى أن علاقتهم بالطلاب تدهورت، وأن التفاعل داخل الصف أصبح متوترا وباردا.”كيف أركز على تحسين المدرسة وأنا قلق بشأن إطعام أسرتي؟” تساءل أحد مديري المدارس المشاركين في الدراسة، فيما عبر معلم آخر عن فقدانه لشغفه بالتعليم جراء الضغوط المالية المتزايدة، وكشفت الدراسة أن المعلمين الذكور يعانون من تأثيرات الأزمة بشكل أكبر من المعلمات، مع وجود فروق ذات دلالة إحصائية في جميع المجالات، بسبب الضغوط المجتمعية المتعلقة بدورهم كمعيلين رئيسيين للأسر، كما شعر المعلمون الأكبر سنا، خصوصا فوق الأربعين، بأن الأزمة أثرت أكثر على علاقتهم بالطلاب، نتيجة تراكم الضغوط والمسؤوليات.

وبينما يعمل بعض المعلمين على تطوير آليات تكيف ذاتية، مثل: إنشاء مجموعات دعم عبر تطبيق “واتساب”، والتعاون مع الأهالي في صيانة المدارس، إلا أن الحلول المستدامة تتطلب تدخلات على مستويات أعلى، ومن بين الحلول المقترحة في الدراسة زيادة حجم المساعدات الدولية مع تخصيص جزء منها لضمان صرف رواتب المعلمين، واللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي كإجراء مؤقت، بالإضافة إلى إعادة تفعيل “اتفاقية الصندوق الدوار” مع الاتحاد الأوروبي التي تسمح بتغطية النقص في أموال المقاصة المحتجزة من قبل إسرائيل من خلال قرض بدون فوائد.وللتخفيف من آثار الأزمة على جودة التعليم، طالب المشاركون بضرورة توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للمعلمين، وتقديم حوافز غير مالية مثل تخفيض عدد الحصص الأسبوعية ومنح إجازات مرنة، بالإضافة إلى تعزيز دور المجتمع المحلي في دعم المعلمين.

“أنا لا أحتاج فقط إلى راتبي.. بل أحتاج إلى من يسمعني ويحتويني نفسيا” قالت إحدى المعلمات، مشيرة إلى الضغوط النفسية الهائلة التي يعاني منها المعلمون في ظل الأزمة المالية، وأكدت الدراسة أن استمرار أزمة الرواتب دون حلول جذرية سيؤدي إلى تدهور مستمر في جودة التعليم، مما سينعكس سلبا على مستقبل الأجيال القادمة، وتشدد على أن تحسين الوضع الاقتصادي للمعلمين ليس مجرد مسألة مالية، بل قضية وطنية وإنسانية تستدعي تضافر جهود جميع الأطراف المعنية محليا ودوليا.

close