إيدي هاو نموذج للمدرب الإنجليزي الطموح الذي صنع اسمًا لامعًا في عالم الدوري الإنجليزي الممتاز، من نشأة متواضعة وتحديات شخصية وأم تكافح لإعالة خمسة أطفال، إلى قيادة فريق مغمور مثل بورنموث نحو إنجاز تاريخي بالصعود والبقاء بين الكبار، وصولًا إلى توليه قيادة نيوكاسل نحو أول تتويج منذ 70 عامًا، وبناء مشروع نيوكاسل يونايتد الطموح، تجسد مسيرة إيدي هاو قصة كفاح وإلهام وتجسيد حيٌّ لفكرة أن الإصرار قد يهزم المستحيل.
يستعرض هذا المقال محطات رئيسة في رحلة إيدي هاو، مسلطًا الضوء على فلسفته التدريبية والتحديات التي واجهها والنجاحات التي حققها، تُعد قصة المدرب الإنجليزي إيدي هاو (Eddie Howe) إحدى هذه القصص الملهمة التي تُشبه الأفلام السينمائية في دراميتها وتجاوز بطلها لكل الصعاب.
«لستُ فخورًا بقلة المدربين الإنجليز، أتمنى لو كان هناك المزيد، لكن الدوري الإنجليزي الممتاز صعب للغاية، فهو الأفضل، والأفضل يتطلب استقطاب أفضل المدربين من الخارج، الأمر متروك لنا لنقدم أداء أفضل، حيث الفرص أصبحت نادرة جدًا للمدربين الإنجليز، والطريقة الوحيدة للوصول في الدوري الممتاز هي الصعود».
كانت هذه كلمات المدرب إيدي هاو (Eddie Howe) في عيد ميلاده الأربعين في حوار له مع سكاي سبورت عام 2017 خلال توليه تدريب فريق بورنموث بعدما صعد بهم للدوري الممتاز، وقادهم للبقاء فيه حتى عام 2020، في قصة تُشبه الأفلام السينمائية التي يعاني بطلها من كل المصاعب، ثم يتجاوزها جميعًا.
نشأة إيدي هاو الصعبة
كانت والدة إيدي هاو بائعة جرائد، إضافة لوظائف أخرى، إذ لم تكن تملك مصدر دخل بعد انفصالها عن والد إيدي هاو، تعول 5 أطفال في منطقة فقيرة، تلك الظروف التي نشأ فيها إيدي هاو منذ ولادته في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1977م في مدينة أمرشام الإنجليزية، كل تلك الأمور كانت حافزًا له، فكان متفوقًا دراسيًا في طفولته، إضافة إلى علاقته القوية بوالدته التي كانت مرشدة له وملهمة في أغلب لحظات حياته، بل حتى في اختيار طريقه.
يقول إيدي هاو عنها في أحد لقاءاته: «تأتي على خاطري قبل كل مباراة. ذات مرة أخذتني في جولة حول ملعب ويمبلي عندما كنت في الخامسة أو السادسة من عمري، أحمل مجسمًا لكأس الاتحاد الإنجليزي، وأخرج من الملعب، ويأتي على مسمعي صيحات الجماهير تملأ ملعب ويمبلي، إن فرصتي الكروية تعود لها بالكامل، لذا ستظل تأتي على بالي دائمًا بسبب دورها الكبير في مسيرتي، هي التي كانت تدفعني منذ كنت صغيرًا، وكل ما أنا فيه يرجع إليها».
أول الملحمة بقيادة بورنموث من القاع إلى أضواء البريميرليغ
تبدأ القصة في ليلة عيد الميلاد من عام 2008 -وبعد أن أقالت إدارة فريق بورنموث مدرب الفريق الأول كيفن بوند- يُقال المدرب جيمي كوين بعد سلسلة هزائم كارثية في الدوري، يُحاصر اليأس كل مَنْ بالنادي، إذ لم تكن النتائج وحدها الكارثية، فكان النادي في المركز الثالث والعشرين من دوري الدرجة الرابعة وعلى وشك الهبوط لمستويات الهواة، إضافة إلى أن الفريق خُصم من رصيده 17 نقطة بسبب مخالفات مالية.
ليس هذا فحسب بل كان النادي يعاني ديونًا هائلة أكبر من قدرة الفريق، حيث يبحثون عن مخرج لكل تلك الأزمات، أو بنظرة أخرى ضحية ليعلقوا عليها فشلهم مستقبلًا. لكن كان للقدر رأي آخر، وجدوا مدافعًا سابقًا للنادي، بعد اعتزاله اختير مدربًا للشباب، وجدوا إيدي هاو الذي ستولد معه رحلة ممتلئة بالأمل من بطن المآسي كما قال الشاعر اليمني عبد الله البردوني.
تأثير لعبة السنوكر في شخصية إيدي هاو وفلسفته التدريبية
في أحد اللقاءات الصحفية، سُئل المدرب الشاب إيدي هاو عن مواهبه الخفية، أجاب: فقط لعبة السنوكر. لكن لماذا لعبة «السنوكر»؟
ينشر ستيفان ماثيوس المحرر المساعد في الديلي ميل والصحفي السابق المتخصص بالشئون الطبية في مقال له عن لعبة «السنوكر» أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها الرابطة العالمية للمحترفين في البلياردو والسنوكر (WPBSA) في إبريل 2016، شارك في هذا الاستطلاع نحو 1029 بالغًا، وعند سؤالهم أجابوا ببعض الإجابات التي دوَّنها الباحثون، ونستخلص منها أن لعبة «السنوكر» تُشْعِر ممارسيها بتحسن في صحتهم النفسية، إضافة لسهولة الاسترخاء والحفاظ على النشاط البدني والذهني، إضافة لتأثيرها الإيجابي على حياتهم اليومية، حيث منها صقل الشخص بمهارات مهمة في مجالات أخرى من الحياة، تلك المهارات كانت التركيز، والقدرة على تقييم المخاطر وإدارتها، وأهمية الصبر.
ويؤكد ستيفان ماثيوس نتائج استطلاع الرأي فيقول: «ومن الأكيد اعتبارها «رياضة ذهنية» فاكتساب وتطوير المعرفة المتعلقة بلعبة «السنوكر» يتطلب قدرًا كبيرًا من الإدراك الذهني، ويعزز منحنى التعلم الذي توفره هذه الرياضة الصحة النفسية والرفاهية».
ساعدت هذه اللعبة إيدي هاو في رحلته الصعبة مع فريق بورنموث، فإيدي هاو عندما استلم الفريق، لا موارد مالية، لا خبرة فنية سابقة سوى تدريب فريق الشباب، لا أمل في النجاح بسبب ما ذكرنا في ما حدث قبل تعيين إيدي هاو مدربًا للفريق، لكن كيف واجه إيدي هاو كل هذا من خلال مهاراته في لعبة «السنوكر»؟