زوجان وراء الميكروفون.. بابا شارو قرر معاقبة صفية المـهندس فتزوجها

صفية: خطبنى و«احنا متخاصمين».. وكان يعاملنى بشدة وهو رئيسى

محمد محمود شعبان، وشهرته بابا شارو.. الاسم الذى سمى به بسبب غلطة مطبعية، فبدلا من كتابة بابا شعبان، تمت كتابة بابا شارو فى الورق الذى يقرأ منه المذيع.. ومنذ ذلك اليوم لقب بهذا الاسم.. تخرج فى قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول عام 1939، ثم التحق بالإذاعة فور تخرجه بتزكية من د.طه حسين، عميد كلية الآداب فى تلك الفترة وأستاذه. عمل بالإذاعة مقدم برامج، وكان سبب عمله ببرامج الأطفال غياب مقدم البرنامج، فتم تكليفه بالحلقة، وقدم أحاديثه للأطفال على مدار 20 سنة، كما قدم 300 حلقة درامية من كتاب «الأغانى» للأصفهاني، وله عدد كبير من البحوث والدراسات فى فروع الفن الإذاعى المختلفة.
تزوج من الإذاعية الكبيرة صفية المهندس، ابنة اللغوى الكبير زكى محمد المهندس، وشقيقة الفنان فؤاد المهندس.. وقد بدأت مشوارها عام 1947 فى برامج المرأة بداية ببرنامج “ركن المرأة”، حيث لم يكن هناك برنامج خاص للمرأة فى الإذاعة المصرية من قبل، ولهذا كانت تجمع أحاديث السيدات المشهورات، مثل أمينة السعيد وبنت الشاطئ وسهير القلماوي، لتذيعها فى برنامجها.. ثم أعدت برنامجها الشهير «إلى ربات البيوت»، الذى كان يشتمل على التمثيلية والأحاديث التربوية والبرنامج الدرامى يوميات عائلة مصرية وهى «عائلة مرزوق أفندى».
دخلنا عالم الزوجين الفسيح، وأجرت مجلة الإذاعة والتليفزيون معهما حوارا عائليا نادرا، نشر فى عددها رقم (1081) بتاريخ 3 ديسمبر 1955.. وأجرت الحوار الكاتبة زينب محمد على.. فإلى نصه..
كان موعدهما الأول حول الميكروفون.. هى مذيعة رقيقة اعتادت عبارات المجاملة، وهو رئيسها الذى يكره المجاملات، ولا يتسامح مع مرؤوسيه، حتى لو كان المخطئ شابة حسناء. كان اللقاء عاصفا، انتهى بالمذيعة عند المدير تشكو إليه قسوة رئيسها، كما انتهى بالمشكو منه فى عش الزوجية، وأضيف إلى قائمة الأزواج السعداء اسم محمد محمود شعبان “بابا شارو” وصفية المهندس مديرة الأركان الخاصة.
فى حى العباسية، «فيلا» أنيقة تحتضنها حديقة صغيرة غناء، تتحدث عن مزاج جميل.. إنها العش الذى يضم بابا شارو وصفية. واستقبلنا الزوجان فى صالون بلون الورد، تأنقت فى تنسيق أركانه ربة البيت.
“ازيكم يا ولاد؟”.. قالها بابا شارو بصوته الرقيق، بالطريقة نفسها التى يفتتح بها حديث الأطفال، وهو يضم الى صدره طفله الجميل مصطفى، وهو فى السنة الثانية من عمره، ويداعب ولده الأصغر محمد، الذى رأى النور لأول مرة منذ ستة شهور، وكان منهمكا فى شد شعر أمه صفية المهندس، التى حملته على ساعديها. قلنا لهما.
 نريد أن نستمع إلى قصة زواجكما من “ركن المرأة” إلى “حديث الاطفال”؟..
ويبدو أن صفية لم تنس أن «بابا شارو» كان رئيسها ذات يوم، فنظرت إليه تستفتيه بعينيها أتبدأ هی أم يبدأ هو.. فأجابها بابا شارو بأن السيدات أولا كما يقول المثل المعروف، فنظرت إلينا ثم نظرت إليه، وقالت بعتاب: “خطبنى بابا شارو واحنا متخاصمين، وكان ذلك سنة 1950 (وصفية تنادى شعبان دائما باسم “بابا شارو”، فقد صار هذا الاسم علما عليه حتى فى منزله)”.. واستطردت صفية تسأل بابا شارو: “أليس كذلك؟”.
فأجاب فى هدوء وقال وهو يصلح من وضع نظارته على عينيه: “أظن ذلك”. فقالت: “تظن؟.. إننى واثقة من أنك تتذكر هذا جيدا، لقد كنا متخاصمين، فقد كنت تعاملنى بشدة وأنت رئيسى، فشكوتك للمدير، وكان وقتئذ الأستاذ محمد قاسم”.
وهنا قاطعها بابا شارو قائلا: “لكننى لم أتسامح معك فى هذه الشكوى.. وعاقبتك عليها بالزواج !
وعادت صفية تقول: “أجل.. ذهب شعبان وخطبنى من بابا، ومع ذلك ظللنا أسبوعا بعد الخطوبة متخاصمين برضه”.
 وهل تتخاصمان الآن كثيرا؟
لا.. لقد ألف الزواج بيننا، وأصبح كل منا يشعر بمسئولية الآخر، ويقدر ظروفه ويحترم متاعبه، ولذلك سارت سفينتنا بسلام.
 كيف توفقان بين العمل والبيت والأولاد؟
قالت صفية: “الحقيقة أن بابا شارو يقضى أكثر ساعات يومه فى الإذاعة، وكثيرا ما يعمل فيها 16 ساعة يوميا، ولذلك فإن لقاءنا يتم عادة حول مائدة الغداء فى المنزل، أو على العشاء فى وقت متأخر من الليل، أما فى وقت العمل فنادرا ما نلتقى لبضع دقائق”.
  هل تغادران البيت معا فى الصباح؟
أجل نخرج معاً دائما، وأحياناً نعود بعد الظهر معا إلى المنزل، فإذا احتاج الأمر إلى عودة شعبان إلى عمله مرة أخرى أمضيت الوقت مع ولدينا محمد ومصطفى حتى يعود”.
 كيف توفقين بين عملك وبيتك؟
تعودت على إعداد ما يلزمنی ویلزم أولادى فى فترة بعد الظهر لليوم التالي، فإذا خرجت فى الصباح تركت ولدينا مع المربية، تحت إشراف والدي، الذى نقيم معه منذ تزوجنا. فهذا بيتنا القديم، ووجود والدى أبقاه الله يزيح عن كاهلى كثيرا من المسئوليات كزوجة وأم، فهو بإشرافه على شئونى أنا وشعبان يشعرنا بأننا أطفال كبار، فهو يشرف علينا ويرعى المنزل فى غيبتنا”.
 هل هذا هو رأيك يا أستاذ شعبان.. ألا تظن أن عمل المرأة يؤثر عليها كزوجة؟
أنا أوافق صفية على كل ما قالت، وأعتقد أن المستقبل للمرأة العاملة، فالحياة بمطالبها الكثيرة تحتاج إلى التعاون التام بين الزوجين، وأعتقد أنه بعد خمس سنوات على الأكثر، وبعد أن تصبح كل النساء مثقفات تقريبا، سوف يصبح لكل امرأة دورها فى الحياة، وستختفى من مصر تماما كلمة المرأة التى لا تعمل والتى تعمل.
وأضافت صفية: “المرأة العاملة تقضى وقتها فى عمل نافع لبلادها، وتستطيع بسهولة أن توفق بين عملها وبيتها، ولن يسبب لها هذا إرهاقا أبدا، لأن الوقت الذى تقضيه المرأة العاملة فى عملها هو نفسه الذى تقضيه المرأة غير العاملة فى النوم والكسل ومخالطة صديقات السوء، واللف والدوران على الخياطة و”فاترينات” الأزياء.. صدقينى المرأة غير العاملة إنسانة خاملة لا قيمة لها”.
 كيف تقضيان أوقات فراغكما؟
ضحك بابا شارو، وقال: “أين هى أولا أوقات الفراغ؟ إننى حتى فى الإجازة الصيفية لا أستطيع أن أتمتع بها، فعملى يقتضى منى أن أكون دائما بين مكتبى وإعداد برامجى. أما صفية فهى تسافر مع ولدينا إلى المصيف، وأذهب اليهم أنا مرة فى الأسبوع فقط.
 هل معنى هذا أنكما لا تتنزهان أبدا؟
نكاد نكون محرومين من الاستمتاع بالطبيعة، والنزهة مع أطفالنا، والوقت الذى نختلسه من يومنا اختلاسا نقضيه فى السينما.
وهنا قدمت لنا صفية أطباقا مثلجة من “الكاستر” اللذيد المحشو بقطع الموز، وقالت إنه من صنع يديها، ولاحظنا أن بابا شارو لا يأكل منه، واعتذر بأنه يفضل عليه الأكلات الحريفة، الحافلة بالشطة والفلفل الأخضر، ولما سألناه عن أكلته المفضلة قال: “بصفتى من أبناء الإسكندرية، فإننى أحب (الشكشوكة)، وهى تتألف من البيض والطماطم والفلفل والبقدونس، ولا أميل للحلوى، ولذلك أحتفظ برشاقة قوامى.. أما صفية فهى كما ترين تحب الحلوى والفواكه المسكرة”.
وقالت صفية مقاطعة: “لكن لا تنسى أننى أحب (البامية) أيضا، وإن كنت افضل عليها البسبوسة، التى أصنعها بيدى من السمن البلدى المعتبر”.
وهنا أقبل مصطفى وجذب “بابا شارو” وأجلسه معه على الأرض ليشاركه لعبته المفضلة مع الدبة الصغيرة، بينما انهمكت صفية فى تخليص جدائلها من عبث أصابع الصغير محمد.. فاستأذنا وتركنا الأسرة السعيدة.

close