في ظل ظروف اقتصادية سيئة ومحبطة، يعيش الليبيون مأساة حقيقية تفاقمت منذ سنوات، واليوم تزداد سوءًا مع حلول عيد الأضجى. يشعر المواطن البسيط بهذه الظروف ويعيشها بدءًا من أسعار الأضاحي المبالغ فيها، والتي لا يستطيع الموظف ذو الدخل المحدود أو المتقاعد تحملها.
وإلى جانب الوضع الاقتصادي الصعب المصاحب لحالة التشرذم والتفكك السياسي، هناك تحدٍّ آخر يلوح في الأفق يزيد العبء على المواطن، ألا وهو الوضع الأمني.
تحديات أمنية
وإلى جانب الوضع الاقتصادي الصعب المصاحب لحالة التشرذم والتفكك السياسي، هناك تحدٍّ آخر يلوح في الأفق يزيد العبء على المواطن، ألا وهو الوضع الأمني. فقد شهدت العاصمة طرابلس في عيد الفطر الماضي اشتباكات مسلحة في الأيام الأولى، حيث تساقطت الصواريخ والرصاص الحي في الحدائق والمتنزهات. اعتاد الليبيون على مثل هذه المخاطر في الأعياد وعطل نهاية الأسبوع. لم يعد العيد في ليبيا يمثل البهجة والفرحة ولمة العائلة في ظل أجواء يسودها التوتر الأمني والتداعيات الاقتصادية الناتجة عن الأزمة السياسية الراهنة والحكومات المتعاقبة منذ أكثر من 12 عامًا.
معاناة يومية
وجدان، طالبة في جامعة طرابلس – قسم الآداب، تروي معاناتها بين التنسيق لحضور المحاضرات وبين عملها اليومي في محل لمواد الزينة لتعيل نفسها وأسرتها. تقول وجدان:
“لم تعد الحياة سهلة، إن لم أعمل فلن أستطيع شراء الكتب، بل حتى أني لن أجد ثمن المواصلات للوصول إلى الجامعة. كذلك أبي متقاعد، وراتبه لا يغطي احتياجات أسرتي، لذلك أعمل وأضطر في كثير من الأحيان إلى عدم حضور المحاضرات، مما أسهم في رسوبي أكثر من مرة في الجامعة. أما عن العيد، فإننا نحاول اقتطاع مبلغ كل شهر حتى نتمكن من شراء أضحية. أحاول طوال السنة أن أوفر ولو مبلغًا بسيطًا حتى نستطيع في رمضان والأعياد تلبية احتياجاتنا”.
6 يونيو 2025، طرابلس ليبيا، صلاة عيد الأضحى في ساحة الشهداء في طرابلسصورة من: Tripoli Security Directorate
وفي سرت، قابلنا الحاج أمهنا من المتقاعدين، وقد اشتكى من سوء تنظيم توزيع الأضاحي. حيث خصصت حكومة الشرق ما يسمى بأضاحي خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين، ولكن المسؤولين عن التوزيع – حسب قوله – لا يقومون بدورهم ولا يطّلعون على بيانات المواطنين، بل يتم التوزيع حسب الأقارب والمحسوبية.
لم يقتصر الوضع الاقتصادي السيئ على الليبيين في الداخل فقط، بل طال أيضًا الليبيين في الخارج. السيدة زينب، 56 عامًا، تروي معاناتها مع الأزمة الاقتصادية والوضع الراهن. سافرت هي وأسرتها للعلاج بسبب عدم توفر العلاج اللازم لحالتها الصحية، حيث تحتاج لعمليات في الظهر والركبة، وابنتها تحتاج لعملية جراحية في العين. وبرغم كل المحاولات، لم تجد آذانًا صاغية من الدولة، فجمعت ما استطاعت وذهبت إلى القاهرة. لكنهم اليوم عاجزون عن استكمال العلاج بين نفقات الإيجار والمعيشة والمستشفيات. وعند سؤالها عن العيد، ضحكت قائلة: “عن أي عيد تتحدث؟ لقد فارقتنا البهجة منذ سنوات، ولم نعد نستطع أن نضحي بسبب الغلاء المتفشي وتدهور العملة الليبية مقارنة بأي عملة أخرى”.
حالة العجز عن شراء الأضاحي: هل هي مشكلة سيولة أم فقر؟
يرى أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية، أ.د عمر عثمان زرموح، أنه رغم غياب الإحصاءات الرسمية، إلا أن كثيرين يؤكدون أن العديد من العائلات لم تستطع الحصول على أضحية العيد هذا العام (1446هـ). فما هو السبب؟ هل هي مشكلة السيولة النقدية التي تعاني منها المصارف التجارية، حيث لم يتمكن المودعون من سحب أموالهم رغم أنها ودائع تحت الطلب، خاصة وأن شراء الأضاحي يتم عادة بالدفع النقدي؟ أم أن السبب هو الفقر، بحيث لا تتوفر القدرة على الشراء حتى لو لم تكن هناك مشكلة سحب نقدي؟
ظاهرة الفقر موجودة في ليبيا كما هي موجودة في كل دول العالم، وتندرج تحت نظرية توزيع الدخل، والتي يُستخدم فيها منحنى لورنز ومعامل جيني.
ليبيا: صلاة عيد الأضحى المبارك في ساحة الشهداء في طرابلسصورة من: Tripoli Security Directorate