فتيات “ماوية” يُحرمنّ من التعليم بسبب الرسوم

تعز- عبد الملك الأغبري 

شكا عدد من أولياء الأمور في أحاديثٍ منفصلةٍ مع “المشاهد” عن تدهور التعليم في مديرية ماوية، شرق تعز، الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي. هذا التدهور يتزامن مع رسومٍ إجبارية تطلبها إدارات المدارس الحكومية؛ مما حرم الفتيات من الاستمرار في التعليم؛ نتيجة عدم مقدرة أسرهنّ على دفع هذه الرسوم.

لبيبة عبده عبدالله، واحدة من سكان ماوية، تشكو لـ”المشاهد” من أن “العملية التعليمة في المديرية تتراجع عامًا بعد آخر؛ بفعل السياسات التي تتخذها المدارس في المديرية؛ والرسوم التي يدفعها الطلاب لحضور الحصص الأسبوعية”.

حاليًا يصل إجمالي عدد الطالبات في المرحلة الأساسية بمديرية ماوية نحو 47% من إجمالي 44,652، وَفقًا لإحصائيات مكتب التربية والتعليم في المديرية. كما أنّ عدد طالبات الثانوية يصل إلى قرابة 44% من إجمالي 5,813.

لا تقتصر الرسوم فقط على الحصص النقدية الشهرية. هناك رسومً أيضًا تُدفع أيام الامتحانات كرسوم الطباعة وغيرها، في الوقت الذي يمر به المواطن اليمني بوضعٍ اقتصادي سيئ للغاية، بحسب لبيبة. قبل الصراع لم يكن دفع هذه الرسوم موجودًا في المدارس الحكومية.

وتفرض وزارة التربية والتعليم في مناطق سيطرة جماعة الحوثي هذه الرسوم بإجمالي يصل إلى ثمانية آلاف شهريا على كل طالب/ة مما يلغي مجانية التعليم فعليا حسب تقرير سابق للمشاهد.

وقالت منظمة اليونيسف في تقرير لها نشر في يوليو 2021 أن 84.5% من الأطفال في اليمن يعانون من الفقر المالي ويجعلهم عرضة للتسرب من التعليم أو حتى عدم الالتحاق بالمدرسة نهائيا.

وبحسب مكتب التربية والتعليم بالمديرية فإنّ عدد المدارس في مديرية ماوية 86 مدرسة حكومية، فيما عدد الطلاب المقيدة أسماؤهم لدى المكتب أكثر من 50 ألف طالب وطالبة، معظمهم في المرحلة الأساسية. 

تقول لبيبة: ذهبتُ لتسجيل ابنتي في السنة الماضية وطلبتْ مني إدارة المدرسة دفع مبلغ 1500 ريال يمني، منها ألف ريال كرسوم للمعلمين المتطوعين على كل طالب، و500 ريال رسوم التسجيل، رغم أن الدراسة لم تبدأ بعد، واضطررتُ لدفعها وبعد أسبوعين ألزمونا بدفع ألف ريال مرةً أخرى، ما لم فسيتم طرد ابنتي من المدرسة.

تقول لبيبة: “نحن نعيش وضعًا كارثيًا للغاية دون حسيبٍ أو رقيب”.

تضيف: يتم إجبار كل طلاب المدارس دفع مبالغ مالية من الصف الأول إلى الثالث الثانوي؛ بحجة دفع تلك المبالغ للمعلمين المتطوعين؛ كون أغلب المعلمين الأساسيين تركوا التدريس بسبب قطع المرتبات طيلة السنوات الماضية، ولجأوا للبحث عن فرص عمل خارج إطار التدريس لتوفير لقمة العيش.”

وَفقًا للأمم المتحدة فإنّ هناك حوالي 172 ألف معلمًا ومعلمة انقطعت رواتبهم منذ سنوات. وتضيف أن الصراع واستمرار تعطيل التعليم في جميع أنحاء البلاد وتجزئة أنظمة التعليم أحدث تأثيرًا عميقًا على التعلم والنمو المعرفي والعاطفي الشامل لجميع الأولاد والبنات في سن التعليم البالغ عددهم 10.1 مليون تقريبًا في اليمن.

ونتيجة انقطاع رواتب الموظفين المدنيين في اليمن ومن بينهم المعلمون يدفع طلاب المرحلة الأساسية شهريًا 500 ريال كحد أقصى فيما المرحلة الثانوية يدفعون ألف ريال.

تقول: “وأنا أدفع المبلغ عن ابنتي شهريًا مبلغ ألف ريال، وهي طالبة في الصف السابع مالم؛ فسيتم طردها من المدرسة”.

تتابع: أعرف البعض من زميلات ابنتي تركنّ الدراسة بسبب عدم قدرة أهاليهنّ دفع المبالغ شهريًا مقابل التدريس، واكتفوا بتدريس الأولاد بدلًا من الفتيات، وهذه كارثة بحق المرأة التي ستصبح يومًا ربة أسرة؛ ما يعني أنّ هناك تهميشًا لدور المرأة التي يجب أن تكون فاعلةً في المجتمع وشريكة الرجل في كل شيء.

في حديثه لـ”المشاهد” يعلق الأستاذ أحمد صالح، أحد المعلمين في مديرية ماوية عن صعوبة وضعهم المعيشي، وأنّ المعلم يعاني مثله مثل بقية الموظفين بسبب قطع المرتبات والبعض ترك التدريس للبحث عن فرص للعمل لمواصلة الحياة.

يقول أحمد: “أثقلتنا الديون والهموم والمشاكل الأسرية بسبب قطع مرتباتنا وضيق الحال”.

التسرب من التعليم

صورة من تقرير اليونيسف حول تأثير النزاع على التعليم في اليمن، يوليو 2021

ترك أحمد عادل وشقيقتاه التعليم في مدارس مديريات ماوية بعد أن وجدوا أنّ البعض من المعلمين غادروا المدرسة عندما انقطعت مرتباتهم.

يقول أحمد: بعد انقطاع المرتبات عن الموظفين بدأت المدارس بأخذ رسوم على كل طالب وطالبة؛ كي يأتوا لنا بمتطوعين بدلًا عن المعلمين الذين تركوا العملية التعليمة.

لكن والدي كان لا يستطيع أن يدفع الرسوم شهريًا لي وعن أخوتي الأربعة، خمسة آلاف ريال، كونه كان بالكاد يوفر لنا قوت يومنا.

يضيف أحمد: تركتُ أنا وشقيقتاي الدراسة وذهبتُ مع والدي للعمل في قطف القات لمساعدته بعد أن أخبرني والدي أن التعليم لم يعد يُجدي نفعًا، وأنّ الناس أصبحت تفكر بلقمة العيش بعد أن انقطعت المرتبات وانقطع التوظيف”.

أحمد عادل، منقطع عن التعليم : تركتُ أنا وشقيقتاي الدراسة وذهبتُ مع والدي للعمل في قطف القات لمساعدته بعد أن أخبرني والدي أن التعليم لم يعد يُجدي نفعًا، وأنّ الناس أصبحت تفكر بلقمة العيش بعد أن انقطعت المرتبات وانقطع التوظيف”.

ويتابع: “كل الذين يدرسون حاليًا سيخرجون بعد الثانوية أو حتى الجامعة ولن يحصلوا على أي عمل؛ كون الموظفين أساسًا قد قُطعت مرتباتهم فمن أين سيأتي العمل لهؤلاء الطلاب؟”.

يعلق أحمد على توقف شقيقتيه عن التعليم بأن ذلك سبب له حزنًا شديدًا حتى اللحظة، خاصةً أن والده أخبره بأن “الفتاة في النهاية ستكبر وستتزوج ونحن غير قادرين على تحمل تكاليف الرسوم الشهرية وأدوات المدرسة من دفاتر وزي مدرسي وأقلام وكتب وغيرها، فما الفائدة من دراستها.”

“المال مقابل الغش”

يقول أحد المراقبين لعملية الاختبارات في مديرية ماوية لـ”المشاهد”: يتفق رئيس اللجنة مع بعض من المعلمين أو أحيانًا غير معلمين يأتي بهم رئيس اللجنة لمراقبة الطلاب، حيث يطلب المراقب في القاعة من الطلاب دفع مبلغ ألفي ريال كحد أدنى، وأحيانًا يصل إلى أربعة آلاف ريال، وفي بعض المدارس أكثر، وتختلف دفع هذه المبالغ من مدرسةٍ إلى أخرى، كل ذلك من أجل السماح لهم بعملية الغش.”

مراقب اختبارات: يتفق رئيس اللجنة مع بعض من المعلمين أو أحيانًا غير معلمين يأتي بهم رئيس اللجنة لمراقبة الطلاب، حيث يطلب المراقب في القاعة من الطلاب دفع مبلغ ألفي ريال كحد أدنى، وأحيانًا يصل إلى أربعة آلاف ريال، وفي بعض المدارس أكثر، وتختلف دفع هذه المبالغ من مدرسةٍ إلى أخرى، كل ذلك من أجل السماح لهم بعملية الغش.”

يضيف: غالبًا في حالة حضور لجان من مكتب التربية لمتابعة سير الامتحانات فإنّ رئيس اللجنة يقوم بدفع جزء من المبالغ التي تحصلها من الطلاب؛ كي لا يتم الرفع برئيس اللجنة وعن حالة الغش في تلك المدرسة.

الذكاء الاصطناعي في الغش

تعلق إحدى طالبات الثانوية -فضَّلت عدم ذكر اسمها- بأنّ الغش يكون إما عبر التلفونات، حيث يقوم الطالب بتصوير نموذج الأسئلة لمعلمين خارج المدرسة يتفق معه الطالب مُسبقًا؛ كي يقوم بالإجابة عن الأسئلة، أو يقوم الطالب بإدخال الكتاب معه إلى قاعة الاختبار على مرأى من المراقب وأحيانًا يتم استخدام الذكاء الاصطناعي أو النت، فالغش متاح تمامًا كون الطالب قد قام بدفع المبلغ مقابل ذلك.

تصل المبالغ التي يدفعها طلاب وطالبات الصف الثالث الثانوي مقابل السماح لهم بالغش في مديرية ماوية إلى نحو 33.3 مليون ريال يمني (قرابة 62 ألف دولار).

close