وثيقة التعليم (2 من 2)

الإصلاح لا تجوز تجزئته، لأن أعمدته قائمة على قاعدة سياسية، التي تحتضن أكثر من ضلع مهم، وحيوي، لكن يظل التعليم أحد أهم الأعمدة، والأضلع التي من شأنها تحقيق تحولات سياسية، واجتماعية، وتنموية بناءً على مفاهيم علمية، وخطط ممنهجة.لفضت الاجتهادات الصاخبة، والمحاولات الشكلية، والتجاذبات الرومانسية أنفاسها، مع كل قصة، وحكاية، أو تصريح صحافي عن إصلاح التعليم، وتجزئة الإصلاح حيناً عن مهارات التدريس أو رخصة المعلم، والإدارة المدرسية، ومناهج “الكفايات” الذي استنفر الفزع التربوي والسياسي، في عام 2017!والوزير الدكتور صبيح المخيزيم عايش هذا الوضع المتذبذب، والتردد بالقرارات حين كان مديراً للمركز الوطني لتطوير التعليم، ومن المؤكد لديه ما يثري إصلاح التعليم من واقع معايشة علمية، وعملية، أو يعري عورة النظام التعليمي من الناحيتين، السياسية والتربوية. كلما جاء الحديث أو التفكير في إصلاح التعليم، تناوبت قيادات تربوية وسطى، ووزراء وجمعيات نفع عام، وتيارات دينية مسيسّة، على اجهاض مشروع إصلاح التعليم، أو حتى اغتيال الفكرة، وهي في مهدها، لما يترتب على ذلك من ضرر لمصالح البعض في ميدان التعليم العام، والتعليم العالي أيضاً.شهدنا محاولات جر التعليم إلى “أسلمة” – مجازا- القطاع التعليمي، عبر مزايدات دينية، من بعض النواب السابقين، بسبب خضوع وزراء التربية والتعليم العالي لرعب الضغوط النيابية، وتدخل تيارات دينية في النظام التعليمي، لنشر “الحجاب” بين الطالبات الصغار عبر “تكريمهن” في المدارس!اليوم، ليس لدينا ضغوط نيابية، وليس لدينا برنامج حكومة، لكن لدينا فكرة “تأليف” مناهج جديدة وفق تصريح وزير التربية، وهو فيما أحسب خطأ في الفكرة، ومبالغة في التنفيذ، وعدم التأني في التشخيص، واهمال جديد لمادة التربية الوطنية، وإعادة بناء المواطن، وترسيخ مفهوم المواطنة!من الخطأ الفادح النظر، أو التفكير في إصلاح التعليم العام، وحصره في وزارة التربية، في حين التعليم العالي يعاني من تراجع، واخفاقات لا حصر لها، علاوة على غياب حلول واقعية لربط مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل.حسمت الحكومة الموقف بشأن مخرجات كلية الشريعة، وعدم “تعيينهم في مرفق القضاء، والمحاماة”، وهو قرار صائب، لكنه سيظل إصلاحاً يتيماً، إذا لم تبادر الحكومة إلى إنقاذ التعليم العام، والتعليم العالي معاً، وبعناية دقيقة ومن دون عزل الإصلاح في وزارة التربية عن وزارة التعليم العالي.ومن المناسب، أن تبادر جامعة الكويت إلى تقديم تصوراتها لدمج كلية الشريعة مع كلية الحقوق، أو كلية أخرى، وتقييم جميع التخصصات، وكثافة البعثات الدراسية العليا، وسياسة التفرغ العلمي، على أساس الحاجة الفعلية للبحث العلمي، وليس ترفا ماديا، ولا تبني المبالغة بشأن “تأليف” المناهج خلال الإجازة الصيفية!لا جديد في النظام التعليمي، وصناعة الجديد تبدأ في وضع قواعد لرؤية إصلاح التعليم معتمدة من مجلس الوزراء، وعرض مشترك من وزيري التربية، والتعليم العالي، ومشاركة جامعة “عبدالله السالم”، و”جامعة الكويت”.تداخلت وتشابكت المفاهيم التعليمية إلى درجة تفشي ظاهرة الدكتوراة في الجهاز الحكومي، بهدف تحقيق واجهات اجتماعية، وحمل الألقاب الرنانة، في حين لم تعالج وزارة التعليم العالي الانحراف الذي طرأ على هيئة التعليم التطبيقي، وجعلها جامعة!لقد خسرنا الكثير في التعليم العالي، وخسرنا أكثر في عدم وجود طبقة متعلمة من حملة الشهادات المهنية الوسطى، أي الدبلوم، وتخصصات مهنية تتناسب مع سوق العمل، واحتياجاته، فمن غير المعقول أن يصبح هدف الجميع الحصول على الشهادات الجامعية، ومن ثم الدكتوراة!وأفشل محاولات الإصلاح التي تبدأ بالتجزئة، أو على الطريقة الكويتية، وبمعنى أدق بأسلوب تتحكم فيه المجاملة، أو التبرؤ من مسؤولية إصلاح النظام التعليمي بشكل شامل، وجذري، ومن دون مداراة لأطرف معينة، أو مصالح تجارية للجامعات الخاصة.نأمل أن يتدخل مجلس الوزراء في مناقشة وثيقة إصلاح التعليم، واعتمادها، لتكون لدينا رؤية وطنية غير قابلة للعزل، ولا المساومة، ولا التنازل، ولا التحريف، ولا التجزئة، ولا التأجيل، حتى لو تأخر “تأليف” المناهج، فالهدفان، السياسي والتنموي، يكمنان في إصلاح التعليم العام، والتعليم العالي معاً. KAltarrah@

close