في 22 مايو سجلت عملة البيتكوين أعلى مستوى لها على الإطلاق عند ما يقارب 112 ألف دولار وبقيمة سوقية إجمالية تبلغ 2.2 تريليون دولار، لتُصنف العملة الرقمية الأولي الآن كواحدة من أغلى خمسة أصول في العالم بعد آبل وإنفيديا ومايكروسوفت والذهب، ومنذ ذلك الحين تراجعت العملة لتنهي شهر مايو 2025 بإنجاز تاريخي عند مستوى غير مسبوق بلغ 104500 دولار في أعلى إغلاق شهري مسجل على الإطلاق، وقد أثار هذا الارتفاع تكهنات وتحليلات مكثفة بين المشاركين في السوق، الذين يتصارعون الآن حول مستقبل العملة المشفرة الأبرز في العالم.
جاءت هذه المكاسب القوية مدعومة بتدفقات مؤسسية واستقرار نسبي في الظروف الاقتصادية الكلية بخلاف الارتفاعات السابقة التي كانت مدفوعة بمضاربات التجزئة، لهذا يعتقد الكثير من الخبراء أن شهر مايو لم يكن مجرد شهر آخر في تاريخ البيتكوين، بل لحظة فاصلة تعكس نضوج السوق وبدء عصر جديد من التبني المؤسسي والدعم السياسي، ورغم أن الطريق لا يخلو من التحديات، فإن البيتكوين أثبت نفسه كأصل عالمي لا يمكن تجاهله.
ما الذي دفع البيتكوين للارتفاع في مايو 2025؟
1.تدفقات الصناديق وتأثيرها
سجلت صناديق تداول بيتكوين المتداولة في البورصة في الولايات المتحدة تدفقات صافية تجاوزت 2.8 مليار دولار أمريكي خلال النصف الأول من مايو، وشهد يوم 2 مايو أكبر تدفق يومي قياسي بلغ 674.9 مليون دولار، وحتى يوم 16 مايو تجاوز إجمالي الصناديق المُدارة لصناديق بيتكوين المتداولة في البورصة 122 مليار دولار.
أفاد المحللون أن سوق العملات المشفرة لديه القدرة على تحقيق مكاسب مستمرة، لا سيما قبل انضمام Coinbase إلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في 19 مايو، ووفقًا لهم، فإن هذا النوع من الأحداث عادةً ما يدفع مديري الصناديق السلبية إلى إعادة توازن محافظهم الاستثمارية.
2.العوامل الاقتصادية العالمية والمخاوف التضخمية
بالإضافة إلى تدفقات الصناديق، عززت الظروف الاقتصادية العالمية أيضًا مكانة بيتكوين كبديل استثماري، وقد أبقى البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة المرجعي بين 4.25% و 4.50% مما يشير إلى سياسة نقدية لا تزال حذرة في ظل بيانات اقتصادية متباينة.
ومع ذلك، عاد التضخم ليُثير القلق بعد أن أعلنت وول مارت وهو أكبر بائع تجزئة في الولايات المتحدة، أنها سترفع الأسعار بسبب تأثير الرسوم الجمركية على السلع المستوردة مثل السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات والإلكترونيات الاستهلاكية، ووصف المدير المالي لشركة وول مارت هذه الزيادة السريعة في الأسعار بأنها غير مسبوقة.
في ظل استمرار تهديد التضخم، يُنظر إلى البيتكوين مرة أخرى على أنه تحوط ضد انخفاض القوة الشرائية للعملات الورقية، ومع فرض رسوم جمركية جديدة واضطرابات في سلسلة التوريد من المتوقع أن تستمر ضغوط الأسعار حتى الصيف، مما يخلق بيئة مواتية لانتعاش العملات المشفرة.
ومع ذلك، لا يزال ارتفاع قيمة البيتكوين يعتمد أيضًا على استقرار معنويات السوق واتجاه سياسة أسعار الفائدة متوسطة الأجل، إذا استمرت الضغوط التضخمية في الارتفاع وأدت إلى تغييرات في السياسة النقدية، فقد يزداد تقلب البيتكوين مرة أخرى.
ما هو التالي للبيتكوين بعد إغلاقه القياسي في مايو 2025؟
لقد كان مسار سعر البيتكوين في عام 2025 مذهلًا بكل المقاييس، فبعد تذبذب سعر البيتكوين بين 70 ألف دولار و90 ألف دولار في وقت سابق من العام، تجاوز هذه المستويات بقوة في الربع الثاني دون أن ينظر إلى الوراء، أما مستوى 100 ألف دولار الذي كان يُعتبر في السابق نقطة تحول مضاربية فقد أصبح الآن أساس هيكل السوق، ويمثل النطاق بين 104 ألف دولار و106 ألف دولار حاليًا مستوى دعم قصير الأجل، مع بلوغ الحد الأعلى 112 ألف دولار، ويراقب السوق الآن عن كثب لمعرفة ما إذا كانت هذه المستويات ستصمد في شهر يونيو.
تُضيف إشارات الاقتصاد الكلي تعقيدًا إلى توقعات السوق، فقد شكّلت تطورات السياسة التجارية الصادرة عن الولايات المتحدة نقطة محورية، لا سيما بعد اقتراح الإدارة فرض رسوم جمركية كبيرة على السلع، ورغم أن هذه الخطوة واجهت تأخيرات وتحديات قانونية، إلا أن الموعد النهائي الجديد في 9 يوليو يُنظر إليه على أنه محفز محتمل للسوق، وبناءً على النتيجة قد يعزز ذلك قوة البيتكوين أو يضغط على الأصول ذات المخاطر العالية.
لا تزال مقاييس التداول على سلسلة الكتل تُظهر نشاطًا قويًا، في شهر أبريل سُجِّلت ما يقرب من 18800 معاملة بيتكوين كبيرة بقيمة كل منها 100 ألف دولار مسجلةً أعلى رقم منذ يناير، إضافةً إلى ذلك، سُحِبَت كمية كبيرة من البيتكوين تجاوزت 147 ألف بيتكوين حتى تاريخه من منصات التداول، يشير هذا الاتجاه إلى بقاء المزيد من البيتكوين محتفظًا بها على المدى الطويل، مما يُشير إلى تنامي الثقة بقيمتها.
توقع المحللون أن يصل سعر البيتكوين إلى ذروته بين 180 ألف و250 ألف دولار بحلول نهاية عام 2025، تستند هذه التوقعات إلى عدة عوامل منها الطبيعة الدورية للسوق وزيادة التبني المؤسسي وتدفق السيولة، وقد عزز ارتفاع السيولة العالمية والتدفقات القياسية إلى صناديق البيتكوين المتداولة الفورية هذه التوقعات الصعودية، وأشار “آرثر هايز” المؤسس المشارك لـ BitMEX إلى أن قيمة البيتكوين مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتوقعات السوق بشأن المعروض المستقبلي من العملات الورقية والتي تشهد حاليًا مسارًا تصاعديًا.
على الرغم من التفاؤل، فإن الطريق إلى هذه الارتفاعات المتوقعة ليس خاليًا من التحديات، تاريخيًا، شهدت عملة البيتكوين انخفاضات كبيرة تراوحت غالبًا بين 70% و90%، يُعد هذا التقلب سمة مميزة لسوق العملات المشفرة وهو أمر يجب على المستثمرين الاستعداد له، إن الارتفاع الحالي الذي شهد تجاوز البيتكوين لأعلى مستوياته التاريخية دليل على مرونته وقبوله المتزايد كمخزن للقيمة.